فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمَّآ أَنۡ أَرَادَ أَن يَبۡطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوّٞ لَّهُمَا قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ أَتُرِيدُ أَن تَقۡتُلَنِي كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِيدُ إِلَّآ أَن تَكُونَ جَبَّارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (19)

{ فلما أن أراد } موسى { أن يبطش بالذي } أي القبطي الذي { هو عدو لهما } أي لموسى وللإسرائيلي حيث لم يكن على دينهما .

{ قال } الإسرائيلي { يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ؟ } قال ذلك ، لما سمع موسى يقول له إنك لغوي مبين ، ورآه يريد أن يبطش بالقبطي ، ظن أنه يريد أن يبطش به ، فلما سمع القطبي ذلك أفشاه ، ولم يكن قد علم أحد من أصحاب فرعون أن موسى هو الذي قتل القطبي بالأمس حتى أفشى عليه الإسرائيلي هكذا قال جمهور المفسرين وقيل : إن القائل هو القبطي ، وكان قد بلغه الخبر من جهة الإسرائيلي ، وهذا هو الظاهر ، وقد سبق ذكر القبطي قبل هذا بلا فصل ، لأنه هو المراد بقوله عدو لهما ، ولا موجب لمخالفة الظاهر حتى يلزم منه أن المؤمن بموسى المستغيث به المرة الأولى ، والمرة الأخرى هو الذي أفشى عليه .

وأيضا أن قوله { إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض } لا يليق صدور مثله إلا من كافر ، و ( إن ) هي النافية أي ما تريد ، قال الزجاج : الجبار في اللغة الذي يتعاظم ، لا يتواضع لأمر الله ، والقاتل بغير حق جبار . وقيل : الجبار الذي يفعل ما يريد ، من الضرب والقتل ولا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن . قال عكرمة : لا يكون الرجل جبارا حتى يقتل نفسين . وهو بعيد ، ولا دلالة في الآية على ذلك ، والراجح هو الأول الموافق باللغة .

{ وما تريد أن تكون من المصلحين } بين الناس ، فتدفع التخاصم بالتي هي أحسن .