السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ} (52)

{ فيهما } أي : الجنتين { من كل فاكهة } أي : تعلمونها أو لا تعلمونها { زوجان } أي : صنفان ونوعان قيل : معناه أنّ فيهما من كلّ ما يتفكه به ضربين رطباً ويابساً ؛ وقال ابن عباس : ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرّة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو .

فإن قيل : قوله تعالى : { ذواتا أفنان } و{ فيهما عينان تجريان } و{ فيهما من كل فاكهة زوجان } كلها أوصاف للجنتين فما الحكمة في فصل بعضها عن بعض بقوله تعالى { فبأي آلاء ربكما تكذبان } مع أنه تعالى لم يفصل حين ذكر العذاب بين الصفات ؛ بل قال تعالى : { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران } مع أنّ إرسال الشواظ غير إرسال النحاس ؟ أجيب : بأنه تعالى جمع العذاب جملة ، وفصل آيات الثواب ترجيحاً لجانب الرحمة على جانب العذاب ، وتطييباً للقلب وتهييجاً للسامع فإن إعادة ذكر المحبوب وتطويل الكلام في اللذات مستحسن .

فإن قيل : فما وجه توسط آية العينين بين ذكر الأفنان وآية الفاكهة والفاكهة إنما تكون على الأغصان ، والمناسبة ألا يفصل بين آية الأغصان والفاكهة ؟ أجيب : بأنّ ذلك على عادة المتنعمين إذا خرجوا متفرجين في البستان ؛ فأوّل قصدهم الفرجة بالخضرة والماء ثم يكون الأكل تبعاً .