السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ} (68)

ثم وصف الجنتين أيضاً بقوله تعالى : { فيهما فاكهة } وخص أشرفها وأكثرها وجداناً في الخريف والشتاء ، كما في جنان الدنيا التي جعلت مثالاً لهاتين بقوله تعالى : { ونخل ورمان } فإن كلاً منهما فاكهة وأدام ، فلهذا خصا تشريفاً وتنبيهاً على ما فيهما من التفكه ، وأولهما أعمّ نفعاً ، وأعجب خلقاً ، ولذا قدمه فعطفهما على الفاكهة من باب ذكر الخاص بعد العامّ تفضيلاً له ؛ كقوله تعالى : { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } [ البقرة : 98 ] وقوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] .

وقال بعض العلماء : ليس ذلك من الفاكهة . ولهذا قال أبو حنيفة : إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل رطباً أو رماناً لم يحنث ، وخالفه صاحباه . وقال القرطبي : وقيل : إنما كررها لأنّ النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا ، لأن النخل عامة قوتهم ، والرمان كالثمرات فكان يكثر غرسها عندهم لحاجتهم إليه ، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومها وكثرتها عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن فأخرجهما من الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها .

وقيل : أفردا بالذكر لأنّ النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه قال البغوي : وعن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعهما زمرّد أخضر وورقها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء ، أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ليس له عجم .

وروي أنّ الرمانة من رمان الجنة ملء جلد البعير المقتب ؛ وقيل : إنّ نخل الجنة نضيد ، وثمرها كالقلال كلما نزعت عادت مكانها أخرى ؛ العنقود منها اثنا عشر ذراعاً .