إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَمۡلَيۡتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ ثُمَّ أَخَذۡتُهَا وَإِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (48)

{ وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ } الخ فإنه كما سلف من قوله تعالى : { فَأمْلَيْتُ للكافرين ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } صريحٌ في أنَّ المراد هو الأخذُ العاجلُ الشَّديدُ بعد الإملاء المديدِ أي وكم من أهلِ قريةٍ فحُذف المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه في الإعرابِ ورجع الضَّمائرِ والأحكامِ مبالغةً في التَّعميمِ والتَّهويلِ { أَمْلَيْتُ لَهَا } كما أمليتُ لهؤلاء حتَّى أنكرُوا مجيء ما وُعدوا من العذابِ واستعجلُوا به استهزاءً برسلِهم كما فعلَ هؤلاء { وَهِيَ ظالمة } جملةٌ حاليَّةٌ مفيدةٌ لكمال حلمِه تعالى ومشعرةٌ بطريق التَّعريضِ بظلم المستعجلينَ أي أمليتُ لها والحالُ أنَّها ظالمةٌ مستوجِبةٌ لتعجيل العقوبةِ كدأبِ هؤلاءِ { ثُمَّ أَخَذْتُهَا } بالعذاب والنَّكالِ بعد طول الإملاءِ والإمهالِ وقولُه تعالى : { وَإِلَيًَّ المصير } اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لما قبله ومصرِّحٌ بما أفاده ذلك بطريقِ التَّعريضِ من أنَّ مالَ أمر المُستعجلين أيضاً ما ذُكر من الأخذِ الوبيلِ أي إلى حُكمي مرجعُ الكُلِّ جميعاً لا إلى أحدٍ غيري لا استقلالاً ولا شركة فأفعلُ ممَّا يليقُ بأعمالِهم .