فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَمۡلَيۡتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ ثُمَّ أَخَذۡتُهَا وَإِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (48)

{ وكأي من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير }

{ المصير } المرجع والمآب .

وكثير هم أهل القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله ، وكانوا أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ، وكانوا أكثر من مشركي قريش أموالا وأولادا ، ومع استحلالهم الحرمات وتكذيبهم الرسل والرسالات ، أمهلت كل قوم من أولئك الأقوام الفجرة الظلام ، حتى إذا جاء وقت إحلال بأسي بهم أهلكتهم فإني عزيز ذو انتقام ، ومردهم بعد ذلك إلي فأصليهم حر السعير وسوء المستقر والمقام .

مما يقول صاحب جامع البيان أبو جعفر بن جرير الطبري " وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق والبرهان وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله ، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية . . ومنهاجهم من قبلهم فلا يصدنك ذلك ، فإن العذاب المهين من ورائهم ، ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك ، كما أتى عذابي أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم ، بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال . . . { فكيف كان نكير } يقول : فانظر يا محمد كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة ، وتنكيري لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم ؟ ! ؛ ألم أبدلهم بالكثرة قلة ؟ ! وبالحياة موتا وهلاكا ؟ ! وبالعمارة خرابا ؟ يقول : فكذلك فعلي بمكذبيك من قريش وإن أمليت لهم إلى آجالهم فإني منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم . . فكأين من قرية أهلكناها ومن بئر عطلناها بإفناء أهلها ، وإهلاك وارديها ، فاندفنت وتعطلت فلا واردة لها ولا شاربة منها ، ومن قصر مشيد رفيع بالصخور والجص قد خلا من سكانه بما أذقنا أهله من عذابنا بسوء فعالهم ، فبادوا وبقيت قصورهم المشيدة خالية منهم . . . أفلم يسيروا هؤلاء المكذبون بآيات الله والجاحدون قدرته في البلاد فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكذبي رسل الله الذين خلوا من قبل . . . فينيبوا من عتوهم وكفرهم ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلى الحق { قلوب يعقلون بها } حجج الله على خلقه وقدرته على ما بينا ؛ { أو آذان يسمعون بها } . . تصغي لسماع الحق فتعي ذلك وتميز بينه وبين الباطل . . { ولن يخلف الله وعده } الذي وعدك فيهم من إحلال عذابه ونقمته بهم في عاجل الدنيا ، ففعل ذلك ووفى لهم بما وعدهم ، فقتلهم يوم بدر . . . عني بقوله : { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } نفي العجلة عن نفسه ، ووصفها بالأناة والانتظار . . . { وكأين من قرية أمليت لها } . . أمهلتهم وأخرت عذابهم وهم بالله مشركون ، ولأمره مخالفون . . . ثم أخذتها بالعذاب فعذبتها في الدنيا بإحلال عقوبتنا بهم . . . وإلى مصيرهم أيضا بعد هلاكهم ، فيلقون من العذاب حينئذ مالا انقطاع له اه .

{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ { 49 ) فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { 50 ) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ { 51 ) }

{ نذير } مخوف من مصير من فسق وكفر . { مبين } موضح ومظهر .

/خ48