إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَٰرُونَ بِـَٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (45)

{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هارون بآياتنا } هي الآياتُ التِّسعُ من اليدِ والعَصَا والجرادِ والقُمَّلِ والضَّفادعِ والدَّمِ ونقصِ الثَّمراتِ والطَّاعون . ولا مساغَ لعدِّ فلقِ البحر منها إذِ المرادُ هي الآياتُ التي كذَّبوها واستكبرُوا عنها { وسلطان مُّبِينٍ } أي حجَّةٍ واضحةٍ مُلزمةٍ للخَصمِ ، وهي إمَّا العَصَا ، وإفرادُها بالذِّكرِ مع اندراجِها في الآياتِ لما أنَّها أمُّ آياتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأُولاها وقد تعلقتْ بها معجزاتٌ شَتَّى من انقلابِها ثُعباناً وتلقُّفها لما أفكته السَّحرةُ حسبما فُصِّل في تفسير سُورةِ طه ، وأمَّا التَّعرُّضُ لانفلاقِ البحرِ وانفجارِ العُيون من الحجرِ بضربها وحراستِها وصيرورتِها شمعةً وشجرةً خضراءَ مثمرةً ودَلْواً ورِشَاءَ وغيرَ ذلك ممَّا ظهرَ منها من قبلُ ومن بعدُ في غير مشهدِ فرعونَ وقومِه فغيرُ ملائمٍ لمقتضى المقامِ ، وأمَّا نفسُ الآياتِ كقولِه : [ المتقارب ]

إلى الملكِ القَرمِ وابنِ الهُمامِ ***[ وليث الكثيبة في المزدحم ]{[565]}

الخ . عبَّر عنها بذلك على طريقةِ العطفِ تنبيهاً على جمعها لعُنوانينِ جليلينِ وتنزيلاً لتغايرِهما منزلةَ التَّغايرِ الذَّاتيِّ .


[565]:وهو بلا نسبة في الإنصاف (2/469)؛ وخزانة الأدب (1/451)؛(5/108)؛ (6/91)؛ وشرح قطر الندى(ص295).