إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ} (52)

{ وَإِنَّ هذه } استئنافٌ داخلٌ فيما خُوطب به الرُّسلُ عليهم السَّلامُ على الوجهِ المذكورِ مسوقٌ لبيانِ أنَّ ملَّة الإسلامِ والتَّوحيدِ ممَّا أُمر به كافَّةُ الرُّسلِ عليهم السَّلامُ والأممِ . وإنَّما أُشير إليها بهذه للتَّنبيهِ على كمالِ ظُهور أمرِها في الصِّحَّة والسَّدادِ وانتظامِها بسببِ ذلكَ في سلكِ الأمور المُشاهَدةِ { أُمَّتُكُمْ } أي ملَّتُكم وشريعتُكم أيُّها الرُّسل { أُمَّةً وَاحِدَةً } أي مِلَّةً وشريعةً متَّحدةً في أصولِ الشَّرائعِ التي لا تتبدلُ بتبديلِ الأعصارِ . وقيل : هذه إشارةٌ إلى الأممِ المؤمنةِ للرُّسلِ ، والمعنى إنَّ هذه جماعتُكم جماعةً واحدةً متَّفقةً على الإيمانِ والتَّوحيدِ في العبادةِ { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ } من غيرِ أنْ يكونَ لي شريكٌ في الرُّبوبيَّةِ . وضميرُ المُخاطَب فيه وفي قوله تعالى : { فاتقون } أي في شقِّ العَصَا والمخالفةِ بالإخلالِ بمواجبِ ما ذُكر من اختصاصِ الرُّبوبيةِ بي للرُّسلِ والأممِ جميعاً على أنَّ الأمرَ في حقِّ الرُّسلِ للتَّهييجِ والإلهابِ وفي حقِّ الأممِ للتَّحذيرِ والإيجابِ . والفاءُ لترتيبِ الأمرِ أو وجوبِ الامتثالِ به على ما قبلَه من اختصاصِ الرُّبوبيةِ به تعالى واتِّحادِ الأمَّةِ ، فإنَّ كُلاًّ منهما موجبٌ للاتِّقاءِ حَتْماً . وقرئ وأنَّ هذه بفتحِ الهمزةِ على حذفِ اللامِ أي ولأنَّ هذه أمَّتُكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتَّقون أي إنْ تتَّقونِ فاتَّقونِ ، كما مرَّ في قوله تعالى : { وإياي فارهبون } وقيل : على العطفِ على مَا ، أي إنِّي عليمٌ بأنَّ أمَّتَكم أمَّةٌ الخ . وقيل : على حذفِ فعلٍ عاملٍ فيه أي اعلمُوا أنَّ هذه أمَّتُكم الخ . وقرئ وأنْ هذه على أنَّها مخففةٌ مِن أنّ .