اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَٰرُونَ بِـَٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (45)

قوله تعالى : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هَارُونَ } الآية . يجوز أن يكون «هَارُونَ » بدلاً{[32894]} ، وأن يكون بياناً ، وأن يكون منصوباً بإضمار أعني . واختلفوا في الآيات{[32895]} ، فقال ابن عباس : هي الآيات التسع وهي العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، والسنين ، ونقص الثمرات . وقال الحسن : «بآيَاتِنَا » أي : بديننا . واحتج بأن المراد لو كان الآيات وهي المعجزات ، والسلطان المبين : هو أيضاً المعجز ، لزم منه عطف الشيء على نفسه .

والأول أقرب ، لأنّ لفظ الآيات إذا ذكر مع الرسول فالمراد به المعجزات .

وأما احتجاجه فالجواب عنه من وجوه :

الأول : أنّ المراد بالسلطان المبين : يجوز أن يكون أشرف معجزاته ، وهي العصا ، لأن فيها معجزات شتّى من انقلابها حيّة وتلقّفها{[32896]} ما{[32897]} صنع السحرة ، وانفلاق البحر ، وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها ، وكونها حارساً ، وشمعةً ، وشجرة مثمرة ، ودَلْواً ، ورشَاءً ، فلاجتماع هذه الفضائل فيها أفردت بالذكر كقوله : «وجِبْرِيلَ ومِيكَالَ »{[32898]} .

والثاني : يجوز أن يكون المراد{[32899]} بالآيات نفس تلك{[32900]} المعجزات ، وبالسلطان المبين كيفيّة دلالتها على الصدق ، فلأنها{[32901]} وإن شاركت آيات سائر الأنبياء في كونها آيات فقد فارقتها في قوة دلالتها على قبول قول موسى - عليه السلام{[32902]}- .

الثالث : أن يكون المراد بالسلطان المبين استيلاء موسى - عليه السلام - عليهم في الاستدلال على وجود الصانع ، وإثبات النبوّة ، وأنه ما كان يقيم لهم قدراً ولا وزناً .

واعلم أنَّ الآية تدل على أنّ معجزات موسى كانت معجزات هارون أيضاً وأنّ النبوة مشتركة بينهما ، فكذلك{[32903]} المعجزات{[32904]} .


[32894]:انظر التبيان 2/955.
[32895]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/102.
[32896]:في ب: تلفقها.
[32897]:في الأصل: مع ما.
[32898]:من قوله تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} [البقرة: 98].
[32899]:في ب: يجوز أن يراد.
[32900]:تلك: سقط من ب.
[32901]:في ب: لأنها.
[32902]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32903]:في ب: وكذلك.
[32904]:آخر ما نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/102.