الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ} (79)

{ فَأَتْبَعَهُمْ } فلحقهم { فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ } أصابهم { مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ }{ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى } أي وما هداهم إلى مراشدهم ، وهذا جواب قول فرعون : ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم ألاّ سبيل الرشاد ، فكذّبه الله تعالى فقال : بل أضلهم وما هداهم .

قال وهب : استعار بنو إسرائيل حلياً كثيراً من القبط ثم خرج بهم موسى من أول الليل ، وكانوا سبعين ألفاً فأخبر فرعون بذلك فركب في ستمائة ألف من القبط يقص أثر موسى ، فلمّا رأى قوم موسى رهج الخيل قالوا

{ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] فقال موسى :

{ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] فلمّا قربوا قالوا : يا موسى أين نمضي ؟ البحر أمامنا وفرعون خلفنا ، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فصار فيه اثنتا عشرة طريقاً يابسة ، لكل سبط طريق ، وصار بين كل طريقين كالطود العظيم من الماء ، وكانوا يمرّون فيه وكلّهم بنو أعمام فلا يرى هذا السبط ذاك ولا ذاك هذا ، فاستوحشوا وخافوا فأوحى الله سبحانه إلى أطواد الماء أن تشبّكي ، فصارت شبكات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض .

فلمّا أتى فرعون الساحل وجد موسى وبني إسرائيل قد عبروا فقال للقبط : قد سحر البحر فمرّ ، فقالوا له : إن كنت ربّاً فادخل البحر كما دخل ، فجاء جبرئيل على رمكة وديق ، وكان فرعون على حصان ، وهو الذكر من الأفراس ، فأقحم جبرئيل الرمكة في الماء ، فلم يتمالك حصان فرعون واقتحم البحر على أثرها ودخل القبط عن آخرهم ، فلمّا تلجّجوا أوحى الله سبحانه إلى البحر أن غرّقهم ، فعلاهم الماء وغرّقهم .

قال كعب : فعرف السامري فرس جبرئيل ، فحمل من أثره تراباً وألقاه في العجل حين اتّخذه .