اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ} (79)

قوله{[25920]} : { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى } أي بما أرشدهم ، وهذا تكذيب لفرعون ، وتهكم به في قوله : { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد }{[25921]} احتج القاضي بقوله : { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى } وقال : لو كان الضلال من خلق الله لما جاز أن يقال : " وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ " بل وجب أن يقال : " اللهُ أَضَلَّهُمْ " {[25922]} ، لأن الله ذمَّه بذلك{[25923]} ، فكيف يكون خالقاً للكفر ، لأنَّ مَنْ ذمَّ غيره بشيء لا بد وأنْ يكون المذموم هو الذي فعله وإلا استحق{[25924]} الذم{[25925]} .

فصل

قال ابن عبَّاس{[25926]} : لمَّا أمر تعالى موسى أن يقطعَ بقومه{[25927]} البحر ، وكان بنو{[25928]} إسرائيل استعاروا من قوم فرعون الحُلِيّ والدواب لعيد يخرجون إليه ، فخرج بهم ليلاً . وكان يوسف عليه السلام{[25929]} عهد إليهم عند موته أن يخرجوا{[25930]} بعظامه{[25931]} معهم من مصر ، فلم يعرفوا مكانها حتى دلتهم عجوز على موضع العظم فأخذوه ، وقال موسى عليه السلام{[25932]} للعجوز : احتكمي . فقالت : أكون معك في الجنة . فلما خرجوا تَبِعَهُم فرعون ، فلما انتهى موسى إلى البحر ، ( قال : هنا أُمِرْتُ ، فَأوْحَى الله إليه أن اضْرِبْ بِعَصَاكِ البَحْرَ ){[25933]} ، فضربه فانفلق ، فقال لهم موسى : ادخلوا فيه قالوا : كيف وهي رطبة ؟ فدعا ربّه فهبت عليهم الصبا فجفت{[25934]} . فقالوا : نخاف الغرق في بعضنا ، فجعل بينَهُم كوًى{[25935]} حتى يرى بعضُهم بعضاً ، ثم دخلوا حتى جازوا{[25936]} ، وأقبل فرعون إلى تلك الطرق ، فقال له قومه : إنَّ موسى قد سَحَر البَحْرَ كما ترى ، وكان على فرس حصان فأقبل جبريل عليه السلام ( على فرس أنْثَى في ثَلاثَةٍ وثلاثين من الملائكة ، فصار جبريل عليه السلام بين يدي فرعون ){[25937]} . فأبصر الحصانُ الفرسَ فاقتحم بفرعون على أثرها ، وصاحت الملائكة في الناس الحقُوا حتى إذا دخل آخرهم ، وكان أولهم أن يخرج{[25938]} التقى البحر عليهم ، فغرقوا ، فرجع بنو إسرائيل حتى ينظروا إليهم ، وقالوا : يا موسى ادْعُ اللهَ أنْ{[25939]} يخرجهم لنا ( حتى ننظر إليهم ){[25940]} ، فلفظهم البحر إلى الساحل وأصابوا من سِلاحِهم .

قال ابن عبَّاس : إنَّ جبريل عليه السلام{[25941]} قال : يا محمد لو رأيتني وأنا أدسّ فرعون في الماء والطين مخافة أن يتوب . فهذا معنى { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ }{[25942]} .

قال{[25943]} ابن الخطيب : وفي القصة أبحاث :

الأول : قال بعض المفسرين : إن موسى لما ضربَ البحرَ انفرق اثنا عشر طريقاً يابساً ، وبقي الماء قائماً بين الطريقين كالطود العظيم وهو الجبل ، فأخذ كلُّ سبط{[25944]} من بني إسرائيل في طريق ، وهو معنى قوله تعالى : { فَكَانَ{[25945]} كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم }{[25946]} ومنهم من قال : إنَّما حصل طريق واحد{[25947]} لقوله : { فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً } ويمكن حمله على الجنس .

الثاني : أن قول بني إسرائيل بعد أن أظهر لهم الطرق وبينها تعنتوا وقالوا نريدُ أنْ يرى بعضُنا بعضاً فهذا كالبعيد ، لأن القومَ لما أبْصَروا مجيء فرعون صاروا في نهاية الخوف{[25948]} ، والخائف إذا وجد طريق الفرار والخلاص كيف يتفرغ للتعنت البارد{[25949]} .

الثالث : أنّ فرعون كان عاقلا بل كان في نهاية الدهاء{[25950]} فكيف اختار إلقاء نفسه في التهلكة{[25951]} ، فإنه كان يعلم من نفسه أن انفلاق{[25952]} البَحْر ليس بأمره ، وذكروا{[25953]} عند هذا وجهين{[25954]} :

أحدهما : أنَّ جبريل -عليه السلام- كان على الرَّمْكَة{[25955]} فتبعه فرس فرعون . ولقائلٍ أن يقول : هذا بعيد ، لأنه يبعد أن يكون خوضُ الملك في أمثال هذه المواضع مقدماً على خوض جميع العسكر . وأيضاً فلو كان الأمر على ما قالوا لكان فرعون في ذلك الدخول كالمجبور ، وذلك مما يزيده خوفاً ، ويحمله عن الإمساك على الدخول . وأيضاً : فأيُّ حاجةٍ لجبريل عليه السلام إلى هذه الحيلة ، وقد كان يمكنه أن يأخذه مع فرسه ويرميه في الماء ابتداء ؟ بل الأولى أن يقال : إنه أمر مقدمة العسكر بالدخول فدخلوا وما غرقوا{[25956]} فغلب على ظنه السلامة ، فلما دخل{[25957]} أغرقهم الله .

الرابع : أن قولهم عن جبريل إنه كان يدسه في الماء والطين خوفاً من{[25958]} أن يؤمن فبعيد ، لأن المنع من الإيمان لا يليق بالملائكة والأنبياء .

الخامس : روي أن موسى عليه السلام{[25959]} كَلَّمَ البحرَ فقال انفلق{[25960]} لي لأعبر{[25961]} ، فقال البحر : لا يَمُرُّ عليَّ رجل عاص . وهذا{[25962]} غير ممتنع على أصول أهل السنة ، لأن عندهم البنية ليست شرطاً للحياة ، وعند المعتزلة أن ذلك على لسان الحال لا على{[25963]} لسان المقال{[25964]} .


[25920]:قوله: سقط من الأصل.
[25921]:من قوله تعالى: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [غافر: 29].
[25922]:في ب: ضلهم.
[25923]:في ب: وأن الله تعالى ذمهم بذلك أي ذمه بذلك. وهو تحريف.
[25924]:في ب: يستحق.
[25925]:انظر الفخر الرازي 22/93.
[25926]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/93 – 94.
[25927]:في ب: بقوله. وهو تحريف.
[25928]:في النسختين بنوا. والصواب ما أثبته.
[25929]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[25930]:في الأصل: خرجوا. وهو تحريف.
[25931]:في ب: لعظامه. وهو تحريف.
[25932]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[25933]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25934]:في ب: فجففت. وهو تحريف.
[25935]:كوى جمع كوّة: الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه. اللسان (كوى).
[25936]:في الأصل: جاز. وهو تحريف.
[25937]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي ، وفي الأصل: فرعون بين. وفي ب: من يدي فرعون. وهو تحريف.
[25938]:في ب: أن يقرب من الخروج.
[25939]:أن: تكملة من الفخر الرازي.
[25940]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25941]:عليه السلام: سقط من ب.
[25942]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/93-94.
[25943]:في ب: فصل قال.
[25944]:السِّبط: الفرقة.
[25945]:في الأصل: نصار. وهو تحريف. وفي ب: فانفلق فكان.....
[25946]:[الشعراء: 63].
[25947]:في ب: واحد.
[25948]:في ب: شدة.
[25949]:في ب: كيف يتخلص ويتفرغ للتعنف البارد. وهو تحريف.
[25950]:في ب: الدعاء. وهو تحريف.
[25951]:في التهلكة: سقط من ب.
[25952]:في ب: انقلاب. وهو تحريف.
[25953]:في ب: ذكروا.
[25954]:في ب: بوجهين. وهو تحريف.
[25955]:الرَّمكة: الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل، معرب والجمع رمك وأرماك جمع الجمع الجوهري: الرّمكة: الأنثى من البراذين، والجمع رماك ورمكات وأرماك (عن الفراء) مثل ثمار وأثمار. اللسان (رمك).
[25956]:في ب: وما عرفوا. وهو تحريف.
[25957]:في ب: فلما دخلوا. وهو تحريف.
[25958]:من: سقط من الأصل.
[25959]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[25960]:في ب: الفرق. وهو تحريف.
[25961]:في ب: لا غيره. وهو تحريف.
[25962]:في ب: وهو.
[25963]:في ب: لا على سبيل.
[25964]:الفخر الرازي 22/94.