السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ} (79)

{ وأضل فرعون قومه } أي : بدعائهم إلى عبادته { وما هدى } أي : ما أرشدهم ، وهذا تكذيب لفرعون وتهكم به في قوله : { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } [ غافر ، 29 ] .

تنبيه : لا بأس بذكر شيء من هذه القصة ، فنقول : قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما أمر الله تعالى موسى أن يقطع بقومه البحر ، وكان بنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون الحلي والدوابّ لعيد يخرجون إليه ، فخرج بهم ليلاً ، وكان يوسف عليه الصلاة والسلام عهد إليهم عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر ، فلم يعرفوا مكانها حتى دلتهم عجوز على موضع العظم ، فأخذوه ، وقال موسى عليه السلام للعجوز : احتكمي ، أي : انظري لك شيئاً اطلبيه ، فقالت : أكون معك في الجنة ، فلما خرجوا تبعهم فرعون وعلى مقدمته ألف ألف وخمسمائة ألف سوى الجنبين والقلب ، فلما انتهى موسى إلى البحر قال : هنا أمرت ، فأوحى الله تعالى إليه أن { اضرب بعصاك البحر } فضربه فانفلق ، فقال لهم موسى : ادخلوا فيه ، فقالوا : كيف وهي رطبة ؟ فدعا ربه فهبت عليها الصبا ، فجفت ، فقالوا : نخاف الغرق في بعضنا ، فجعل بينهم كوى يرى بعضهم بعضاً ، ثم دخلوا حتى جاوزوا البحر ، وأقبل فرعون إلى تلك الطرق ، فقال له قومه : إن موسى قد سحر البحر كما ترى ، وكان على فرس حصان ، فأقبل جبريل عليه السلام على فرس أنثى في ثلاثة وثلاثين من الملائكة ، فسار جبريل بين يدي فرعون ، فأبصر الحصان الفرس ، فاقتحم بفرعون على أثرها ، فصاحت الملائكة في الناس : الحقوا حتى إذا لحق آخرهم ، وكاد أوّلهم أن يخرج التقى البحر عليهم ، فغرقوا ، فرجع بنو إسرائيل حتى ينظروا إليهم ، وقالوا : يا موسى ادع الله يخرجهم لنا حتى ننظر إليهم ، فلفظهم البحر إلى الساحل ، وأصابوا من سلاحهم ، وذكر ابن عباس أن جبريل قال : يا محمد لو رأيتني وأنا أدس في في فرعون الماء والطين مخافة أن يتوب ، فهذا معنى قوله تعالى : { فغشيهم من اليم ما غشيهم } .