الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ} (70)

قال الله سبحانه { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً } من نمرود وقومه من أرض العراق { إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } يعني الشام .

قال أُبىّ بن كعب سمّاها مباركة لأنّه ما من ماء عذب إلاّ وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس .

وقال قتادة : كان يقال : الشام أعقاب دار الهجرة ، وما نقص من الأرض زيد في الشام ، وما نقص عن الشام زيد في فلسطين ، وكان يقال : هي أرض المحشر والمنشر ، وبها مجمع الناس ، وبها ينزل عيسى ابن مريم ، وبها يهلك الله الدجّال .

وحدّث أبو قلابة " أنَّ رسول الله ( عليه السلام ) قال : رأيت فيما يرى النائم كأنّ الملائكة حملت عمود الكتاب فوضعته بالشام ، فأوّلته أنّ الفتن إذا وقعت فإنّ الإيمان بالشام " .

وذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب ( رضي الله عنه ) قال لكعب : ألا تتحوّل إلى المدينة فإنّها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع قبره ؟ فقال له كعب : يا أمير المؤمنين إنّي أجد في كتاب الله المنزل أنّ الشام كنز الله من أرضه وبها كنزه من عباده .

قال محمد بن إسحاق بن يسار : استجاب لإبراهيم رجال من قومه حين رأوا ما صنع اللّه سبحانه به من جعل النار عليه برداً وسلاماً على خوف من نمرود وملئِهم ، فآمن له لوط وكان ابن أخيه ، وهو لوط بن هاران بن تارخ ، وهاران هو أخ إبراهيم ، وكان لهما أخ ثالث يقال له باحورين تارخ ، فهاران أبو لوط وناحورا أبو تبويل وتبويل أبو لأن ، ورتقا بنت تبويل امرأة إسحاق بن إبراهيم أم يعقوب وليا وزاجيل روحيا يعقوب ابنتا لايان ، وآمنت به أيضاً سارة وهي بنت عمّه ، وهي سارة بنت هاران الأكبر عمّ إبراهيم عليه السلام .

وقال السدّي : كانت سارة بنت ملك حرّان وذلك أنّ إبراهيم ولوطاً انطلقا قِبَل الشام فلقي إبراهيم سارة وهي ابنة ملك حرّان وقد طعنت على قومها في دينهم ، فتزّوجها إبراهيم على أن يغيّرها .

قال ابن إسحاق : خرج إبراهيم من كوثى من أرض العراق مهاجراً إلى ربّه ، وخرج معه لوط وسارة كما قال الله سبحانه

{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي } [ العنكبوت : 26 ] فخرج يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة الله حتى نزل حرّان فمكث بها ما شاء الله أن يمكث ، ثمّ خرج منها مهاجراً حتّى قدم مصر ، ثمَّ خرج من مصر إلى الشام ونزل السبع من أرض فلسطين وهي بُرية الشام ، ونزل لوط بالمؤتفكة وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة وأقرب من ذلك ، فبعثه الله سبحانه نبيّاً فذلك قوله { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ }