الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

فقال الله سبحانه { ينَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ } قال السدّي : كان جبرئيل هو الذي ناداها .

قال ابن عباس : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها ، فلم تبق يومئذ نار في الأرض إلاّ طفئت ظنت أنّها هي تُعنى .

قال السدّي : فأخذت الملائكة بضبعي إبراهيم فأقعدوه على الأرض ، فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس .

قال كعب : ما أحرقت النار من إبراهيم إلاّ وثاقه ، قالوا : وكان إبراهيم في ذلك الموضع سبعة أيام .

قال المنهال بن عمر : قال إبراهيم خليل الله : ما كنت أيّاماً قطّ أنعم منّي من الأيّام التي كنت فيها في النار .

قال ابن يسار : وبعث الله جلّ اسمه ملك الظلّ في صورة إبراهيم فقعد فيها إلى جنب إبراهيم وهو يؤنسه ، قالوا : وبعث الله بقميص من حرير الجنّة وأتاه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا إبراهيم إنّ ربّك يقول : أما علمت أنّ النار لا تضرّ أحبّائي ، ثمَّ نظر نمرود من صرح له وأشرف على إبراهيم وما شكّ في موته ، فرأى إبراهيم جالساً في روضة ورأى الملك قاعداً إلى جنبه وما حوله نار تحرق ما جمعوا له من الحطب فناداه نمرود : يا إبراهيم ، كبير إلهك الذي بلغت قدرته أن حال بينك وبين ما أرى لم يضرّك ، يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج منها ؟ قال : نعم ، قال : هل تخشى إن أقمت فيها أن تضرّك ؟ قال : لا ، قال : فقم فاخرج منها ، فقام إبراهيم يمشي فيها حتى خرج منها ، فلمّا خرج إليه قال له : يا إبراهيم ، مَن الرجل الذي رأيت معك مثل صورتك قاعداً إلى جنبك ؟ قال : ذلك ملك الظلّ أرسله إليَّ ربّي ليؤنسني فيها ، فقال نمرود : يا إبراهيم إنّي مقرّب إلى إلهك قرباناً لما رأيت من قدرته وعزّته فيما صنع بك حين أبيت إلاّ عبادته وتوحيده ، إنّي ذابح له أربعة آلاف بقرة ، فقال له إبراهيم : إذاً لا يقبل الله منك ما كنت على دينك هذا حتى تفارقه إلى ديني ، فقال : يا إبراهيم لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبحها له ، فذبحها له نمرود ، ثمَّ كف عن إبراهيم ومنعه الله سبحانه منه .

قال أبو هريرة : إنَّ أحسن شيء قاله إبراهيم لمّا رفع عنه الطبق وهو في النار يرشح جبينه فقال نمرود عند ذلك : نعم الرب ربك يا إبراهيم قال كعب وقتادة والزهري : ما انتفع أحد من أهل الأرض يومئد بنار ولا أحرقت النار شيئاً يومئذ إلاّ وثاق إبراهيم ولم تأت يومئذ دابّة إلاّ أطفأت عنه النار إلاّ الوزغ ، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وسمّاه فويسقاً .

قال شعيب الجبائي : أُلقي إبراهيم ( عليه السلام ) في النار وهو ابن ست عشرة سنة ، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين ، وولدته سارة وهي بنت تسعين سنة ، وكان مذبحه من بيت ايليا على ميلين ، ولمّا علمت سارة بما أراد باسحاق بطنت يومئذ وماتت اليوم الثالث .