الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَثُلَّةٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (40)

{ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ } من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخبرني الحسين ، حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق ، حدّثنا محمد بن الوليد القرشي وعيسى بن المساور واللفظ له قالا : حدّثنا الوليد بن مسلم ، حدّثنا عيسى بن موسى أبو محمد وغيره ، عن عروة بن دويم قال : " لما أنزل الله عزّوجل على رسوله ثلة من الأولين وقليل من الآخرين بكى عمر رضي الله عنه فقال : يا نبي الله ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ؟ آمنا برسول الله وصدقناه ومن ينجو منّا قليل فأنزل الله عزّوجل { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ } فدعا رسول الله عمر فقال : " يا ابن الخطاب قد أنزل الله عز وجل فيما قلت ، فجعل : { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ } " .

فقال عمر : رضينا عن ربنا ونصدق نبينا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من آدم إلينا ثلة ومني إلى [ يوم ] القيامة ثلة ولا يستتمها إلاّ سودان من رعاة الإبل من قال لا إله إلاّ الله " .

وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير ، حدّثنا بشر ، حدّثنا يزيد ، حدّثنا سعيد عن قتادة قال الحسن : حدّثني عمر بن أبي حصين عن عبد الله بن مسعود قال : تحدثنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى أكرينا الحديث ثم رجعنا إلى أهلنا فلما أصبحنا غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عُرضت عليَّ الأنبياء الليلة بأتباعها من أُمتها ، وكان النبي يجيء معه الثلاثة من أُمته والنبي معه العصابة من أمّته والنبي معه النفر من أُمّته والنبي معه الرجل من أُمته والنبي ما معه من أُمّته أحد حتى أتى موسى في كبكبة بني إسرائيل ، فلما رأيتهم أعجبوني فقلت : أي رب من هؤلاء ؟ قيل : هذا أخوك موسى بن عمران ومن حفه من بني اسرائيل .

قلت : ربي فأين أُمتي ؟ قيل : انظر عن يمينك فإذا ظراب مكة قد سدّت بوجوه الرجال .

فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل : هؤلاء أُمّتك أرضيت ؟ فقلت : رب رضيت ، قيل : انظر عن يسارك فإذا الأُفق قد سدّ بوجوه الرجال .

فقلت : رب من هؤلاء ؟ قيل : هؤلاء أُمتك أرضيت ؟ قلت : رب رضيت ، فقيل : إن مع هؤلاء سبعين ألفاً من امتك يدخلون الجنة . لا حساب عليهم . قال : فأنشأ كاشة بن محصن رجل من بني أسد بن خزيمة فقال : يا نبي الله إدع ربك أن يجعلني منهم فقال : " اللهم إجعله منهم " ثم أنشأ رجل آخر فقال : يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم . قال : " سبقك بهما عكاشة " .

فقال صلى الله عليه وسلم " فداكم أبي وامي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا ، وإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الظراب ، فإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الأفق ، فإني قد رأيت ثم أناساً يتهاوشون كثيراً " .

قال : فقلت : من هؤلاء السبعون ألفاً ؟ فاتفق رأينا على أنهم أُناس ولدوا في الإسلام فلم يزالوا يعملون به حتى ماتوا عليه فنُهي حديثهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ليس كذلك ولكنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لأرجو أن يكون من تبعني من امتي ربع أهل الجنة " فكبّرنا ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " فكبّرنا . ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ } " .

وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحّاك { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ } يعني من سابقي هذه الأمة { وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ } من هذه الأمة في آخر الزمان .

يدل عليه ما أخبرنا الحسين بن محمد ، حدّثنا أحمد بن محمد بن اسحاق السني ، حدّثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب محمد بن كثير ، حدّثنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير " عن ابن عباس في هذه الآية { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما جميعاً من أُمتي " .