جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَعَمِيَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَنۢبَآءُ يَوۡمَئِذٖ فَهُمۡ لَا يَتَسَآءَلُونَ} (66)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ويوم ينادي الله هؤلاء المشركين ، فيقول لهم ماذَا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ فيما أرسلناهم به إليكم ، من دعائكم إلى توحيدنا ، والبراءة من الأوثان والأصنام فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ يَوْمَئِذٍ يقول : فخفيت عليهم الأخبار ، من قولهم : قد عَمِي عني خبر القوم : إذا خفي . وإنما عُنِي بذلك أنهم عميت عليهم الحجة ، فلم يدرُوا ما يحتجون ، لأن الله تعالى قد كان أبلغ إليهم في المعذرة ، وتابع عليهم الحجة ، فلم تكن لهم حجة يحتجون بها ، ولا خبر يُخْبرون به ، مما تكون لهم به نجاة ومَخْلَص . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ قال : الحجج ، يعني الحجة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ قال : الحجج .

قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذَا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ قال : بلا إله إلاّ الله ، التوحيد .

وقوله : فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ بالأنساب والقرابة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فهُمْ لا يَتَساءَلُونَ قال : لا يتساءلون بالأنساب ، ولا يتماتّون بالقرابات ، إنهم كانوا في الدنيا إذا التقوا تساءلوا وتماتّوا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد فَهُمْ لا يتَساءَلونَ قال : بالأنساب . وقيل معنى ذلك : فعَمِيت عليهم الحجج يومئذٍ ، فسكتوا ، فهم لا يتساءلون في حال سكوتهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَعَمِيَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَنۢبَآءُ يَوۡمَئِذٖ فَهُمۡ لَا يَتَسَآءَلُونَ} (66)

وو{ الأنباء } : جمع نبأ ، وهو الخبر عن أمر مهم ، والمراد به هنا الجواب عن سؤال { ماذا أجبتم المرسلين } لأن ذلك الجواب إخبار عما وقع منهم مع رسلهم في الدنيا .

المعنى : عميت الأنباء على جميع المسؤولين فسكتوا كلهم ولم ينتدب زعماؤهم للجواب كفعلهم في تلقي السؤال السابق : { أين شركائي الذين كنتم تزعمون } [ القصص : 62 ] .

ومعنى { عميت } خفيت عليهم وهو مأخوذ من عمى البصر لأنه يجعل صاحبه لا يتبين الأشياء ، فتصرفت من العمى معان كثيرة متشابهة يبينها تعدية الفعل كما عدي هنا بحرف ( على ) المناسب للخفاء . ويقال : عمي عليه الطريق . إذا لم يعرف ما يوصل منه ، قال عبد الله بن رواحة :

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع

والمعنى : خفيت عليهم الأنباء ولم يهتدوا إلى جواب وذلك من الحيرة والوهل فإنهم لما نودوا { أين شركائي الذين كنتم تزعمون } [ القصص : 62 ] انبرى رؤساؤهم فلفقوا جواباً عدلوا به عن جادة الاستفهام إلى إنكار أن يكونوا هم الذين سنوا لقومهم عبادة الأصنام ، فلما سئلوا عن جواب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عيوا عن الجواب فلم يجدوا مغالطة لأنهم لم يكونوا مسبوقين من سلفهم بتكذيب الرسول فإن الرسول بعث إليهم أنفسهم .

ولهذا تفرع على ( عميت عليهم الأنباء ) قوله { فهم لا يتساءلون } أي لا يسأل بعضهم بعضاً لاستخراج الآراء وذلك من شدة البهت والبغت على الجميع أنهم لا متنصل لهم من هذا السؤال فوجموا .

وإذ كان الاستفهام لتمهيد أنهم محقوقون بالعذاب علم من عجزهم عن الجواب عنه أنهم قد حق عليهم العذاب .