جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} (30)

القول في تأويل قوله تعالى { إِنّ رَبّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا محمد يبسط رزقه لمن يشاء من عباده ، فيوسع عليه ، ويقدر على من يشاء ، يقول : ويُقَتّر على من يشاء منهم ، فيضيّق عليه إنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرا : يقول : إن ربك ذو خبرة بعباده ، ومن الذي تصلحه السعة في الرزق وتفسده ومن الذي يصلحه الإقتار والضيق ويهلكه . بصيرا : يقول : هو ذو بصر بتدبيرهم وسياستهم ، يقول : فانته يا محمد إلى أمرنا فيما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه ، وفيمن تبسطها له ، ومِن كفها عمن تكفها عنه ، وتكفها فيه ، فنحن أعلم بمصالح العباد منك ، ومن جميع الخلق وأبصر بتدبيرهم ، كالذي :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، ثم أخبرنا تبارك وتعالى كيف يصنع ، فقال : إنّ رَبّكَ يَبْسُط الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ قال : يقدر : يقلّ ، وكل شيء في القرآن يَقْدِر كذلك ثم أخبر عباده أنه لا يرزَؤُه ولا يئُوده أن لو بسط عليهم ، ولكن نظرا لهم منه ، فقال : وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ وَلكِنْ يُنَزّلُ بقَدَرٍ ما يَشاءُ إنّهُ بِعبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ قال : والعرب إذا كان الخصب وبُسِط عليهم أَشِروا ، وقتل بعضهم بعضا ، وجاء الفساد ، فإذا كان السنة شُغِلوا عن ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} (30)

وقوله { إن ربك يبسط } الآية ، والمعنى كن أنت يا محمد على ما رسم لك من الاقتصاد وإنفاق القوام ولا يهمنك فقر من تراه كذلك فإنه بمرأى من الله ومسمع وبمشيئة ، { ويقدر } معناه ويضيف ، وقوله تعالى : { إنه كان بعباده خبيراً بصيراً } أي يعلم مصلحة قوم في الفقر ومصلحة آخرين في الغنى ، وقال بعض المفسرين وحكاه الطبري : إن الآية إشارة إلى حال العرب التي كانت يصلحها الفقر ، وكانت إذا شبعت طغت وقتلت غيرها وأغارت ، وإذا كان الجوع والقحط شغلهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} (30)

موقع هذه الجملة موقع اعتراض بالتعليل لما تقدم من الأمر بإيتاء ذي القربى والمساكين ، والنهي عن التبذير ، وعن الإمساك المفيد الأمرَ بالقصد ، بأن هذا واجب الناس في أموالهم وواجبهم نحو قرابتهم وضعفاء عشائرهم ، فعليهم أن يمتثلوا ما أمرهم الله من ذلك . وليس الشح بمبق مال الشحيح لنفسه ، ولا التبذير بمغنٍ من يبذر فيهم المال فإن الله قدر لكل نفس رزقها .

فيجوز أن يكون الكلام جارياً على سنن الخطاب السابق لغير معين . ويجوز أن يكون قد حُول الكلام إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم فَوُجّه بالخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الأولى بعلم هذه الحقائق العالية ، وإن كانت أمته مقصودة بالخطاب تبعاً له ، فتكون هذه الوصايا مخللة بالإقبال على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم .

{ ويقدر } ضد { يبسط } . وقد تقدم عند قوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } في سورة [ الرعد : 26 ] .

وجملة { إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } تعليل لجملة { إن ربك يبسط الرزق } إلى آخرها ، أي هو يفعل ذلك لأنه عليم بأحوال عباده وما يليق بكل منهم بحسب ما جبلت عليه نفوسهم ، وما يحف بهم من أحوال النظم العالمية التي اقتضتها الحكمة الإلهية المودعة في هذا العالم .

والخبير : العالم بالأخبار . والبصير : العالم بالمبصرات . وهذان الاسمان الجليلان يرجعان إلى معنى بعض تعلق العلم الإلهي .