جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

وقوله : ما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ يقول : ما عظم هؤلاء الذين جعلوا الاَلهة لله شريكا في العبادة حقّ عظمته حين أشركوا به غيره ، فلم يخلصوا له العبادة ولا عرفوه حقّ معرفته من قولهم : ما عرفت لفلان قدره إذا خاطبوا بذلك من قَصّر بحقه وهم يريدون تعظيمه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذّبابُ شَيْئا . . . إلى آخر الاَية ، قال : هذا مثل ضربه الله لاَلهتهم . وقرأ : ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ حين يعبدون مع الله ما لا ينتصف من الذباب ولا يمتنع منه .

وقوله : إنّ اللّهَ لَقَوِيّ يقول : إن الله لقويّ على خلق ما يشاء من صغير ما يشاء من خلقه وكبيره . عَزِيزٌ يقول : منيع في مُلكه لا يقدر شيء دونه أن يسلبه من ملكه شيئا ، وليس كآلهتكم أيها المشركون الذين تدعون من دونه الذين لا يقدرون على خلق ذباب ولا على الامتناع من الذباب إذا استلبها شيئا ضعفا ومهانة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

وقوله { ما قدروا الله حق قدره } ، خطاب للناس المذكورين ، والضمير في { قدروا } للكفار والمعنى ما وفوه حقه من التعظيم والتوحيد ثم أخبر بقوة الله وعزته وهما صفتان مناقضتان لعجز الأصنام .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

تذييل للمثل بأن عبادتهم الأصنام مع الله استخفاف بحق إلهيته تعالى إذ أشركوا معه في أعظم الأوصاف أحقر الموصوفين ، وإذ استكبروا عند تلاوة آياته تعالى عليهم ، وإذ هموا بالبطش برسوله .

والقَدر : العظمة ، وفعل قَدر يفيد أنه عامل بقَدره . فالمعنى : ما عظموه حق تعظيمه إذ أشركوا معه الضعفاء العجز وهو الغالب القوي . وقد تقدّم تفسيره في قوله { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } في [ سورة الأنعام : 91 ] .

وجملة { إن الله لقوي عزيز } تعليل لمضمون الجملة قبلها ، فإن ما أشركوهم مع الله في العبادة كل ضعيف ذليل فما قدروه حق قدره لأنه قوي عزيز فكيف يشاركه الضعيف الذليل . والعدول عن أن يقال : ما قَدرتم الله حقّ قدره ، إلى أسلوب الغيبة ، التفات تعريضاً بهم بأنّهم ليسوا أهلاً للمخاطبة توبيخاً لهم ، وبذلك يندمج في قوله : { إن الله لقوي عزيز } تهديد لهم بأنه ينتقم منهم على وقاحتهم .

وتوكيد الجملة بحرف التوكيد ولام الابتداء مع أن مضمونها مما لا يختلف فيه لتنزيل علمهم بذلك منزلة الإنكار لأنهم لم يَجروا على موجَب العلم حين أشركوا مع القوي العزيز ضعفاء أذلة .

والقويّ : من أسمائه تعالى . وهو مستعمل في القدرة على كلّ مراد له . والعزيز : من أسمائه ، وهو بمعنى : الغالب لكلّ معاند .