القول في تأويل قوله تعالى { إِنّ رَبّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا محمد يبسط رزقه لمن يشاء من عباده ، فيوسع عليه ، ويقدر على من يشاء ، يقول : ويُقَتّر على من يشاء منهم ، فيضيّق عليه إنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرا : يقول : إن ربك ذو خبرة بعباده ، ومن الذي تصلحه السعة في الرزق وتفسده ومن الذي يصلحه الإقتار والضيق ويهلكه . بصيرا : يقول : هو ذو بصر بتدبيرهم وسياستهم ، يقول : فانته يا محمد إلى أمرنا فيما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه ، وفيمن تبسطها له ، ومِن كفها عمن تكفها عنه ، وتكفها فيه ، فنحن أعلم بمصالح العباد منك ، ومن جميع الخلق وأبصر بتدبيرهم ، كالذي :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، ثم أخبرنا تبارك وتعالى كيف يصنع ، فقال : إنّ رَبّكَ يَبْسُط الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ قال : يقدر : يقلّ ، وكل شيء في القرآن يَقْدِر كذلك ثم أخبر عباده أنه لا يرزَؤُه ولا يئُوده أن لو بسط عليهم ، ولكن نظرا لهم منه ، فقال : وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ وَلكِنْ يُنَزّلُ بقَدَرٍ ما يَشاءُ إنّهُ بِعبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ قال : والعرب إذا كان الخصب وبُسِط عليهم أَشِروا ، وقتل بعضهم بعضا ، وجاء الفساد ، فإذا كان السنة شُغِلوا عن ذلك .
ثم سلاه بقوله : { إن ربك يبسُط الرزق لمن يشاء ويقدر } يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الإضافة إلا لمصلحتك . { إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ، ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر ، فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا ، أو أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط ، وأن يكون تمهيدا لقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } .
موقع هذه الجملة موقع اعتراض بالتعليل لما تقدم من الأمر بإيتاء ذي القربى والمساكين ، والنهي عن التبذير ، وعن الإمساك المفيد الأمرَ بالقصد ، بأن هذا واجب الناس في أموالهم وواجبهم نحو قرابتهم وضعفاء عشائرهم ، فعليهم أن يمتثلوا ما أمرهم الله من ذلك . وليس الشح بمبق مال الشحيح لنفسه ، ولا التبذير بمغنٍ من يبذر فيهم المال فإن الله قدر لكل نفس رزقها .
فيجوز أن يكون الكلام جارياً على سنن الخطاب السابق لغير معين . ويجوز أن يكون قد حُول الكلام إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم فَوُجّه بالخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الأولى بعلم هذه الحقائق العالية ، وإن كانت أمته مقصودة بالخطاب تبعاً له ، فتكون هذه الوصايا مخللة بالإقبال على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم .
{ ويقدر } ضد { يبسط } . وقد تقدم عند قوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } في سورة [ الرعد : 26 ] .
وجملة { إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } تعليل لجملة { إن ربك يبسط الرزق } إلى آخرها ، أي هو يفعل ذلك لأنه عليم بأحوال عباده وما يليق بكل منهم بحسب ما جبلت عليه نفوسهم ، وما يحف بهم من أحوال النظم العالمية التي اقتضتها الحكمة الإلهية المودعة في هذا العالم .
والخبير : العالم بالأخبار . والبصير : العالم بالمبصرات . وهذان الاسمان الجليلان يرجعان إلى معنى بعض تعلق العلم الإلهي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.