جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَسَتَذۡكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِيَ إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوَءُ الْعَذَابِ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وقومه : فستذكرون أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله قد حلّ بكم ، ولقيتم ما لقيتموه صدق ما أقول ، وحقيقة ما أخبركم به من أن المسرفين هم أصحاب النار ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَسَتَذْكُرُونَ ما أقُولُ لَكُمْ ، فقلت له : أَوَذَلك في الاَخرة ؟ قال : نعم .

وقوله : وأُفَوّضُ أمْرِي إلى اللّهِ يقول : وأسلم أمري إلى الله ، وأجعله إليه وأتوكل عليه ، فإنه الكافي مَنْ تَوَكّل عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وأُفَوّضُ أمْرِي إلى اللّهِ قال : أجعل أمري إلى الله .

وقوله : إنّ اللّهَ بَصِيرٌ بالعِبادِ يقول : إن الله عالم بأمور عباده ، ومن المطيع منهم ، والعاصي له ، والمستحق جميل الثواب ، والمستوجب سَيّىء العقاب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَسَتَذۡكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (44)

{ فستذكرون } وقرئ { فستذكرون } أي فسيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب .

{ ما أقول لكم } من النصيحة . { وأفوض أمري إلى الله } ليعصمني من كل سوء . { إن الله بصير بالعباد } فيحرسهم وكأنه جواب توعدهم المفهوم من قوله :{ فوقاه الله سيئات ما مكروا } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَسَتَذۡكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (44)

هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإِنكار ، ما أيْأَسَه من تأثرهم بكلامه ، فتحدّاهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه تهديده لهم بقوله : { إنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْممِ الأحْزَابِ } [ غافر : 30 ] ، أو في الآخرة كما اقتضاه قوله : { إنِّي أخافُ عليكم يَومَ التَّنادِ } [ غافر : 32 ] ، فالفاء تفريع على جملة { ما لِيَ أدْعُوكم إلى النجاة وتَدْعُونني إلى النَّار } [ غافر : 41 ] .

وفعل { ستذكرون } مشتق من الذُّكْر بضم الذال وهو ضد النسيان ، أي ستذكرون في عقولكم ، أي ما أقول لكم الآن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه ، فشبه الإِعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل مُلازمةَ الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية . والمعنى سيحلّ بكم من العذاب ما يُذَكِّركم ما أقوله : إنَّه سيحل بكم .

وجملة { وَأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله } عطف على جملة { ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار } ، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشرّ ، يعني : أني أَكِل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل ، وهذا كلام مُنصِف فالمراد ب { أمري } شأني ومُهمّي . ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله : { إن الله بَصيرٌ بالعِبَادِ } معللاً تفويض أمره معهم إلى الله بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شَمِله وشمل خصومَهُ .

وقال في « الكشاف » قوله : { وأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله } لأنهم توعدوه ا ه . يعني أن فيه إشعاراً بذلك بمعونة ما بعده .

و { العباد } الناس يطلق على جماعتهم اسم العباد ، ولم أر إطلاق العبد على الإِنسان الواحد ولا إطلاق العبيد على الناس .

والبصير : المطلع الذي لا يخفى عليه الأمر . والبَاء للتعدية كما في قوله تعالى : { فبصرت به عن جنب } [ القصص : 11 ] ، فإذا أرادوا تعدية فعل البصر بنفسه قالوا : أبصره .