قوله : يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ يقول : فإذا جاءت الصاخة ، في هذا اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه . ويعني بقوله : يفرّ من أخيه : يفرّ عن أخيه وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا وَبَنِيهِ حَذِرا من مطالبتهم إياه ، بما بينه وبينهم من التّبعات والمظالم .
وقال بعضهم : معنى قوله : يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ : يفرّ عن أخيه لئلا يراه ، وما ينزل به ، لكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يعين من الرجل وأخيه وأمه وأبيه ، وسائر من ذُكر في هذه الاَية يَوْمَئِذٍ يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخّة يوم القيامة شأْنٌ يُغْنِيهِ يقول : أمر يغنيه ، ويُشغله عن شأن غيره ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ أفضي إلى كلّ إنسان ما يشغله عن الناس .
حدثنا أبو عمارة المَرْوَزِيّ الحسين بن حُريث ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس قال : سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به ، قال : «إنْ كانَ عِنْدي مِنْهُ عِلْمٌ » قالت : يا نبيّ الله ، كيف يُحْشرُ الرجالُ ؟ قال : «حُفاةً عُرَاةً » . ثم انتظرت ساعة فقالت : يا نبيّ الله كيف يُحْشر النساء ؟ قال : «كَذلكَ حُفاةً عُرَاةً » . قالت : واسوءَتاه من يوم القيامة قال : «وَعَنْ ذلكَ تسألِينِي ، إنّهُ قَدْ نَزَلَتْ عليّ آيَةٌ لا يَضُرّكِ كانَ عَلَيْكِ ثِيابٌ أمْ لا » ، قالت : أيّ آية هي يا نبيّ الله ؟ قال : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ قال : شأن قد شغله عن صاحبه .
و «الشأن الذي يغنيه » : هو فكرة في سيئاته وخوفه على نفسه من التخليد في النار ، والمعنى { يغنيه } عن اللقاء مع غيره والفكرة في أمره ، قال قتادة : أفضى كل إنسان إلى ما يشغله عن غيره{[11636]} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : «لا يضرك في القيامة كان عليك ثياب أم لا » ، وقرأ هذه الآية{[11637]} وقال نحوه : لسودة ، وقد قالتا : واسوأتاه ينظر بعض الناس إلى بعض يوم القيامة{[11638]} ، وقرأ جمهور الناس : «يُغنيه » بالغين منقوطة وضم الياء على ما فسرناه ، وقرأ ابن محيصن والزهري وابن السميفع : «يَعَنيه » بفتح الياء والعين غير منقوطة من قولك عناني الأمر أي قصدني وأردني .
وجملة : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لزيادة تهويل اليوم ، وتنوينُ { شأن } للتعظيم .
وحيث كان فرار المرء من الأقرباء الخمسة يقتضي فرار كل قريب من أولئك من مثله كان الاستئناف جامعاً للجميع تصريحاً بذلك المقتضَى ، فقال : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } أي عن الاشتغال بغيره من المذكورات بَلْهَ الاشتغال عمن هو دون أولئك في القرابة والصحبة .
وتقديم الخبر في قوله : { لكل امرىء } على المبتدأ ليتأتى تنكير { شأن } الدال على التعظيم لأن العرب لا يبتدئون بالنكرة في جملتها إلا بمسوغ من مسوغاتتٍ عَدَّها النحاة بضعةَ عشر مسوغاً ، ومنها تقديم الخبر على المبتدإ .
والإِغناء : جعل الغير غنياً ، أي غير محتاج لشيء في غرضهِ . وأصل الإِغناء والغنى : حصول النافع المحتاج إليه ، قال تعالى : { وما أغنى عنكم من اللَّه من شيء } [ يوسف : 67 ] وقال : { ما أغنى عني ماليه } [ الحاقة : 28 ] . وقد استعمل هنا في معنى الإِشغال والإِشغال أعم .
فاستعمل الإغناء الذي هو نفع في معنى الإِشغال الأعم على وجه المجاز المرسل أو الاستعارة إيماء إلى أن المؤمنين يشغلهم عن قرابتهم المشركين فرط النعيم ورفع الدرجات كما دل عليه قوله عقبه : { وجوه يومئذٍ مسفرة } إلى آخر السورة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.