جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ تَنزِيلٌ مّنَ الرّحْمََنِ الرّحِيمِ * كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } .

قال أبو جعفر : قد تقدم القول منا فيما مضى قبلُ في معنى «حم » ، والقول في هذا الموضع كالقول في ذلك .

وقوله : تَنْزِيلٌ مِنَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ يقول تعالى ذكره : هذا القرآن تنزيل من عند الرحمن الرحيم نزّله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كِتابٌ فُصّلَتْ آياتُهُ يقول : كتاب بينت آياته كما :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : فُصّلَتْ آياتُهُ قال : بُيّنت آياتُه .

وقوله : قُرآنا عَرَبِيّا يقول تعالى ذكره : فُصلت آياته هكذا .

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب القرآن ، فقال بعض نحوييّ البصرة قوله : كِتابٌ فُصّلت الكتاب خبر لمبتدأ أخبر أن التنزيل كتاب ، ثم قال : فُصّلَتْ آياتُهُ قُرآنا عَرَبِيّا شغل الفعل بالاَيات حتى صارت بمنزلة الفاعل ، فنصب القرآن ، وقال : بَشِيرا ونَذِيرا على أنه صفة ، وإن شئت جعلت نصبه على المدح كأنه حين ذكره أقبل في مدحته ، فقال : ذكرنا قرآنا عربيا بشيرا ونذيرا ، وذكرناه قرآنا عربيا ، وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر . وقال بعض نحوييّ الكوفة : نصب قرآنا على الفعل : أي فصلت آياته كذلك . قال : وقد يكون النصب فيه على القطع ، لأن الكلام تامّ عند قوله «آياته » . قال : ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا ، كما قال في موضع آخر : كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ مُبارَكٌ وقال : وكذلك قوله : بَشِيرا وَنَذِيرا فيه ما في قُرآنا عَربيّا .

وقوله : لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يقول : فصلت آيات هذا الكتاب قرآنا عربيا لقوم يعلمون اللسان العربي ، بشيرا لهم يبشرهم إن هم آمنوا به ، وعملوا بما أنزل فيه من حدود الله وفرائضه بالجنة ، ونذيرا يقول ومنذرا من كذّب به ولم يعمل بما فيه بأمر الله في عاجل الدنيا ، وخلود الأبد في نار جهنم في آجل الاَخرة .

وقوله : فَأعْرَضَ أكْثَرُهُمْ يقول تعالى ذكره : فاستكبر عن الإصغاء له وتدبر ما فيه من حجج الله ، وأعرض عنه أكثر هؤلاء القوم الذين أنزل هذا القرآن بشيرا لهم ونذيرا ، وهم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ يقول : فهم لا يصغون له فيسمعوا إعراضا عنه واستكبارا .