نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (2)

لما ختمت غافر بأن الكفرة جادلوا في آيات الله بالباطل ، وفرحوا بما عندهم من علم ظاهر الحياة الدنيا ، وأنهم عند البأس انسلخوا عنه وتبرؤوا منه ورجعوا إلى ما جاءت به الرسل فلم يقبل منهم ، فعلم أن كل علم لم ينفع عند الشدة والبأس فليس بعلم ، بل الجهل خير منه ، وكان ذلك شاقاً على النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يكون آخر أمر أمته الهلاك ، مع الإصرار على الكفر إلى مجيء البأس ، وأن يكون أغلب أحواله صلى الله عليه وسلم النذارة ، افتتح سبحانه هذه السورة بأن هذا القرآن رحمة لمن كان له علم وله قوة توجب له القيام فيما ينفعه ، وكرر الوصف بالرحمة في صفة العموم وصفة الخصوص إشارة إلى أن أكثر الأمة مرحوم ، وأعلم أن الكتاب فصل تفصيلاً وبين تبييناً لا يضره جدال مجادل ، وكيد مماحك مماحل ، وأنه مغن بعجز الخلق عنه عن اقتراح الآيات فقال مخبراً عن مبتدأ : { تنزيل } أي بحسب التدريج عظيم { من الرحمن } أي الذي له الرحمة العامة للكافر والمؤمن بإنزال الكتب وإرسال الرسل { الرحيم * } أي الذي يخص رحمته بالمؤمنين بإلزامهم ما يرضيه عنهم .