واسم الإشارة فى قوله : { وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } للقرآن الكريم ، أى : وهذا القرآن الذى أنزلناه على عبدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو ذكر وشرف لكم ، وهو كذلك كثير الخيرات والبركات لمن اتبع توجيهاته .
والاستفهام فى قوله : { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } للتوبيخ والإنكار ، والخطاب للمشركين .
أى : كيف تنكرون كونه من عند الله مع أنكم بمقتضى فصاحتكم تدركون من بلاغته ، مالا يدركه غيركم ، ومع أنكم تعترفون بنزول التوراة على موسى وهارون .
إن إنكاركم لكون القرآن من عند الله ، لهو دليل واضح على جحودكم للحق بعد أن تبين لكم .
قال الجمل : وتقديم الجار والمجرور على المتعلق ، دل على التخصيص ، أى : أفأنتم للقرآن خاصة دون كتاب اليهود تنكرون ؟ فإنهم كانوا يراجعون اليهود فيما عنَّ لهم من المشكلات .
قد عقب هذا التعريض بذكر المقصود من سوق الكلام الناشىء هو عنه ، وهو المقابلة بقوله تعالى : { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون } .
واسم الإشارة يشير إلى القرآن لأن حضوره في الأذهان وفي التلاوة بمنزلة حضور ذاته . ووصفه القرآن بأنه ذكر لأن لفظ الذكر جامع لجميع الأوصاف المتقدمة كما تقدم عند قوله تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } في [ سورة النحل : 44 ] .
ووصف القرآن بالمبارك يعمّ نواحي الخير كلها لأن البركة زيادة الخير ؛ فالقرآن كلّه خير من جهة بلاغة ألفاظه وحسنها وسرعة حفظه وسهولة تلاوته ، وهو أيضاً خير لما اشتمل عليه من أفنان الكلام والحكمة والشريعة واللطائف البلاغية ، وهو في ذلك كله آية على صدق الذي جاء به لأن البشر عجزوا عن الإتيان بمثله وتحدّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فما استطاعوا . وبذلك اهتدت به أمم كثيرة في جميع الأزمان ، وانتفع به مَن آمنوا به وفريق ممن حرموا الإيمان . فكان وصفه بأنه مبارك وافياً على وصف كتاب موسى عليه السلام بأنه فرقان وضياء .
وزاده تشريفاً بإسناد إنزاله إلى ضمير الجَلالة . وجُعل الوحي إلى الرسول إنزالاً لما يقتضيه الإنزال من رفعة القدر إذْ اعتبر مستقِرّاً في العالم العلوي حتى أنزل إلى هذا العالم .
وفُرّع على هذه الأوصاف العظيمة استفهام توبيخي تعجيبي من إنكارهم صدق هذا الكتاب ومن استمرارهم على ذلك الإنكار بقوله تعالى : { أفأنتم له منكرون } . ولكون إنكارهم صدقه حاصلاً منهم في حال الخطاب جيء بالجملة الاسمية ليتأتى جعل المسند اسماً دالاً على الاتّصاف في زمن الحال وجَعْل الجملة دالة على الثبات في الوصف وفاءً بحق بلاغة النظم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول جلّ ثناؤه: وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ذِكْرٌ لمن تذكر به، وموعظة لمن اتعظ به. مباركٌ أنزلناهُ كما أنزلنا التوراة إلى موسى وهارون ذكرا للمتقين.
"أفأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ" يقول تعالى ذكره: أفأنتم أيها القوم لهذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد منكرون وتقولون هُوَ "أضْغاثُ أحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بآيَةٍ كمَا أُرْسِلَ الأوّلُونَ"، وإنما الذي آتيناه من ذلك ذكر للمتقين، كالذي آتينا موسى وهارون ذكرا للمتقين.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{أفأنتم له منكرون} ظاهره، وإن كان استفهاما فهو في الحقيقة إيجاب، كأنه قال: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} وتعرفونه أنه كذلك، فأنتم في هذا، له منكرون؛ يذكر سفههم، ويُخبر عن عنادهم.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}: جاحدون.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} هو القرآن. وبركته: كثرة منافعه، وغزارة خيره.
{أفأنتم له منكرون} فالمعنى أنه لا إنكار في إنزاله وفي عجائب ما فيه، فقد آتينا موسى وهرون التوراة، ثم هذا القرآن معجز لاشتماله على النظم العجيب والبلاغة البديعة واشتماله على الأدلة العقلية وبيان الشرائع، فمثل هذا الكتاب مع كثرة منافعه كيف يمكنكم إنكاره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر فرقان موسى عليه السلام، وكان العرب يشاهدون إظهار اليهود للتمسك به والمقاتلة على ذلك والاغتباط، حثهم على كتابهم الذي هو أشرف منه فقال: {وهذا} فأشار إليه بأداة القرب إيماء إلى سهولة تناوله عليهم {ذكر} أي عظيم، ودلهم على أنه أثبت الكتب وأكثرها فوائد بقوله: {مبارك} ودلهم على زيادة عظمته بما له من قرب الفهم والإعجاز وغيره بقوله: {أنزلناه} ثم أنكر عليهم رده ووبخهم في سياق دال على أنهم أقل من أن يجترئوا على ذلك، منبه على أنهم أولى بالمجاهدة في هذا الكتاب من أهل الكتاب في كتابهم فقال: {أفأنتم له} أي لتكونوا دون أهل الكتاب برد ما أنزل لتشريفكم عليهم وعلى غيرهم مع أنكم لا تنكرون كتابهم {منكرون} أي أنه لو أنكره غيركم لكان ينبغي لكم مناصبته، فكيف يكون الإنكار منكم؟
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَهَذَا ْ} أي: القرآن {ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ْ} فوصفه بوصفين جليلين، كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب، من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم، ومن أحكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها، ومن أحكام الجزاء والجنة والنار، فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية، وسماه ذكرا، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر، من التصديق بالأخبار الصادقة، والأمر بالحسن عقلا، والنهي عن القبيح عقلا، وكونه {مباركا ْ} يقتضي كثرة خيراته ونمائها وزيادتها، ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن، فإن كل خير ونعمة، وزيادة دينية أو دنيوية، أو أخروية، فإنها بسببه، وأثر عن العمل به، فإذا كان ذكرا مباركا، وجب تلقيه بالقبول والانقياد، والتسليم، وشكر الله على هذه المنحة الجليلة، والقيام بها، واستخراج بركته، بتعلم ألفاظه ومعانيه، وأما مقابلته بضد هذه الحالة، من الإعراض عنه، والإضراب عنه، صفحا وإنكاره، وعدم الإيمان به فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم، ولهذا أنكر تعالى على من أنكره فقال: {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ْ}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قد عقب هذا التعريض بذكر المقصود من سوق الكلام الناشئ هو عنه، وهو المقابلة بقوله تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون}.
واسم الإشارة يشير إلى القرآن لأن حضوره في الأذهان وفي التلاوة بمنزلة حضور ذاته. ووصفه القرآن بأنه ذكر لأن لفظ الذكر جامع لجميع الأوصاف المتقدمة كما تقدم عند قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} في [سورة النحل: 44].
ووصف القرآن بالمبارك يعمّ نواحي الخير كلها لأن البركة زيادة الخير؛ فالقرآن كلّه خير من جهة بلاغة ألفاظه وحسنها وسرعة حفظه وسهولة تلاوته، وهو أيضاً خير لما اشتمل عليه من أفنان الكلام والحكمة والشريعة واللطائف البلاغية، وهو في ذلك كله آية على صدق الذي جاء به لأن البشر عجزوا عن الإتيان بمثله وتحدّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فما استطاعوا. وبذلك اهتدت به أمم كثيرة في جميع الأزمان، وانتفع به مَن آمنوا به وفريق ممن حرموا الإيمان. فكان وصفه بأنه مبارك وافياً على وصف كتاب موسى عليه السلام بأنه فرقان وضياء.
وزاده تشريفاً بإسناد إنزاله إلى ضمير الجَلالة. وجُعل الوحي إلى الرسول إنزالاً لما يقتضيه الإنزال من رفعة القدر إذْ اعتبر مستقِرّاً في العالم العلوي حتى أنزل إلى هذا العالم.
وفُرّع على هذه الأوصاف العظيمة استفهام توبيخي تعجيبي من إنكارهم صدق هذا الكتاب ومن استمرارهم على ذلك الإنكار بقوله تعالى: {أفأنتم له منكرون}. ولكون إنكارهم صدقه حاصلاً منهم في حال الخطاب جيء بالجملة الاسمية ليتأتى جعل المسند اسماً دالاً على الاتّصاف في زمن الحال وجَعْل الجملة دالة على الثبات في الوصف وفاءً بحق بلاغة النظم.
{ذكر مبارك} أي: فيه من الخير فوق ما تظنون، فإياكم أن تقولوا: إنه كتاب أحكام وتكاليف فحسب، فالقرآن فيه صفة الخلود، وفيه من الأسرار ما لا ينتهي، فبركته تشمل جميع النواحي وجميع المجالات إلى أن تقوم الساعة، فمهما رددنا آياته نجدها جميلة موحية معبرة. فكل عصر يأتي بجديد، لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، فهو مبارك لأن ما فيه من الخير يتجاوز عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وكل العصور والأعمار والقرون، فيعطي كل يوم سرا جديدا من أسرار قائله سبحانه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} من غير حجة ولا برهان، بل انسجاماً مع أجواء الشرك والانحراف التي تعيشون فيها، فتبتعدون بذلك عن المنهج الذي يصلح لكم حياتكم ويبني لكم آخرتكم.