التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا} (31)

هذا هوالجزاء فى حالة ارتكابهن - على سبيل الفرض - لما نهى الله - تعالى - عنه ، أما فى حالة طاعتهن ، فقد بين - سبحانه - جزاءهن بقوله : { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } .

والقنوت : ملازمة الطاعة لله - تعالى - ، والخضوع والخشوع لذاته .

أى : ومن يقنت منكن - يا نساء النبى - لله - تعالى - ، ويلازم طاعته ، ويحرص على مرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتعمل عملا صالحا .

من يفعل ذلك منكن ، نؤتها أجرها الذى تستحقه مضاعفا ، فضلا منا كرما ، { وَأَعْتَدْنَا لَهَا } أى : وهيأنا زيادة على ذلك { رِزْقاً كَرِيماً } لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - .

وهكذا نرى أن الله - تعالى - قد ميز أمهات المؤمنين ، فجعل حسنتهن كحسنتين لغيرهن ، كما جعل سيئتهن بمقدار سيئتين لغيرهن - أيضا - وذلك لعظم مكانتهن ، ومشاهدتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا يشاهد غيرهن ، من سلوك كريم ، وتوجيه حكيم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا} (31)

أعقب الوعيد بالوعد جرياً على سنة القرآن كما تقدم في المقدمة العاشرة .

والقنوت : الطاعة ، والقنوت للرسول : الدوام على طاعته واجتلاب رضاه لأن في رضاه رضى الله تعالى ، قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء : 80 ] .

وقرأ الجمهور : { يقنت } بتحتية في أوله مراعاة لمدلول { مَن } الشرطية كما تقدم في { من يأت منكن } [ الأحزاب : 30 ] . وقرأه يعقوب بفوقية في أوله مراعاة لما صْدَق { مَن } ، أي إحدى النساء ، كما تقدم في قوله تعالى : { من يأت منكن } .

وأسند فعل إيتاء أجرهنّ إلى ضمير الجلالة بوجه صريح تشريفاً لإيتائهن الأجر لأنه المأمول بهن ، وكذلك فعل { وأعتدنا } .

ومعنى { مرتين } توفير الأجر وتضعيفه كما تقدم في قوله تعالى : { ضعفين } [ الأحزاب : 30 ] .

وضمير { أجرها } عائد إلى { مَن } باعتبار أنها صادقة على واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم وفي إضافة الأجر إلى ضميرها إشارة إلى تعظيم ذلك الأجر بأنه يناسب مقامها وإلى تشريفها بأنها مستحقة ذلك الأجر . ومضاعفة الأجر لهن على الطاعات كرامة لقدرهنّ ، وهذه المضاعفة في الحالين من خصائص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لعظم قدرهن ، لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة فضل الآتي بها . ودرجة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة .

وقرأ الجمهور : { وتعمل } بالتاء الفوقية على اعتبار معنى { من } الموصولة المراد بها إحدى النساء وحسنه أنه معطوف على فعل { يقنت } بعد أن تعلق به الضمير المجرور وهو ضمير نسوة . وقرأ حمزة والكسائي وخلَف { ويعمل } بالتحتية مراعاة لمدلول { مَن } في أصل الوضع . وقرأ الجمهور { نؤتها } بنون العظمة . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بالتحتية على اعتبار ضمير الغائب عائداً إلى اسم الجلالة من قوله قبله { وكان ذلك على الله يسيراً } [ الأحزاب : 30 ] .

والقول في { أعتدنا لها } كالقول في { فإن الله أعدّ للمحسنات } [ الأحزاب : 29 ] . والتاء في { أعتدنا } بدل عن أحد الدالين من ( أعدّ ) لقرب مخرجيها وقصد التخفيف . والعدول عن المضارع إلى فعل الماضي في قوله : { أعتدنا } لإفادة تحقيق وقوعه .

والرزق الكريم : هو رزق الجنة قال تعالى : { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً } [ البقرة : 25 ] الآية . ووصفه بالكريم لأنه أفضل جنسه . وقد تقدم في قوله تعالى : { إني ألقي إلي كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

من يطع منكن الله ورسوله {وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} في الآخرة...

{واعتدنا لها رزقا كريما} حسنا، وهي الجنة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{وَمَن يَقْنُتْ} قرئ بالتحتية وكذا يأت منكن حملا على لفظ من في الموضعين، وقرئ بالفوقية حملا على المعنى، والقنوت الطاعة أي يطع.

{مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} يعني أنه يكون لهن من الأجر على الطاعة مثلا ما يستحقه غيرهن من النساء إذا فعلن تلك الطاعة. وفي هذا دليل قوي على أن معنى يضاعف لها العذاب ضعفين أنه يكون العذاب مرتين لا ثلاثا، لأن المراد إظهار شرفهن ومرتبتهن في الطاعة والمعصية، يكون حسنتهن كحسنتين وسيئتهن كسيئتين ولو كانت كثلاث سيئات لم يناسب ذلك كون حسنتهن كحسنتين، فإن الله أعدل من أن يضاعف العقوبة عليهن مضاعفة تزيد على مضاعفة أجرهن، قيل الحسنة بعشرين حسنة، وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن، وفيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين.

{وَأَعْتَدْنَا لَهَا} زيادة على الأجر مرتين {رِزْقًا كَرِيمًا} جليل القدر، قال المفسرون: هو نعيم الجنة، حكى ذلك عنهم النحاس، ثم أظهر سبحانه فضيلتهن على سائر النساء تصريحا فقال: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء}...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والقنوت: المداومة على العمل، فمن داوم على العمل لله فهو مطيع، ومنه القنوت في صلاة الوتر، وهو المداومة على الدعاء المعروف.

والعمل الصالح هو المستقيم الذي يحسن أن يحمد عليه ويستحق به الثواب.

والأجر: الجزاء على العمل، وهو الثواب...

" وأعتدنا لها رزقا كريما "أعتدنا: أعددنا...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وإنما ضوعف أجرهنّ لطلبهنّ رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق، وطيب المعاشرة والقناعة، وتوفرهنّ على عبادة الله والتقوى...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لطيفة: وهي أن عند إيتاء الأجر ذكر المؤتي وهو الله، وعند العذاب لم يصرح بالمعذب فقال: {يضاعف} إشارة إلى كمال الرحمة والكرم، كما أن الكريم الحي عند النفع يظهر نفسه وفعله، وعند الضر لا يذكر نفسه.

{وأعتدنا لها رزقا كريما} وصف رزق الآخرة بكونه كريما، مع أن الكريم لا يكون إلا وصفا للرزاق إشارة إلى معنى لطيف، وهو أن الرزق في الدنيا مقدر على أيدي الناس، التاجر يسترزق من السوقة، والمعاملين والصناع من المستعملين، والملوك من الرعية والرعية منهم، فالرزق في الدنيا لا يأتي بنفسه، وإنما هو مسخر للغير يمسكه ويرسله إلى الأغيار،وأما في الآخرة فلا يكون له مرسل وممسك في الظاهر فهو الذي يأتي بنفسه، فلأجل هذا لا يوصف في الدنيا بالكريم إلا الرزاق، وفي الآخرة يوصف بالكريم نفس الرزق...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{ومن يقنت}: أي يطع ويخضع بالعبودية لله، وبالموافقة لرسوله.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

في الجنة، فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أعلى عليين، فوق منازل جميع الخلائق، في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما قدم درء المفاسد الذي هو من باب التخلي، أتبعه جلب المصالح الذي هو من طراز التحلي فقال: {ومن يقنت} أي يخلص الطاعة {منكن لله} الذي هو أهل لئلا يلتفت إلى غيره؛ لأنه لا أعظم منه بإدامة الطاعة فلا يخرج عن مراقبته أصلاً {ورسوله} فلا تغاضبه ولا تطلب منه شيئاً، ولا تختار عيشاً غير عيشه، فإنه يجب على كل أحد تصفية فكره، وتهدئة باله وسره، ليتمكن غاية التمكن من إنفاذ أوامرنا والقيام بما أرسلناه بسببه من رحمة العباد، بإنقاذهم مما هم فيه من الأنكاد.

ولما كان ذلك قد يفهم الاقتصار على عمل القلب قال: {وتعمل} قرأها حمزة والكسائي بالتحتانية رداً على لفظ "من "حثاً لهن على منازل الرجال، وقراءة الجماعة بالفوقانية على معناها على الأصل مشيرة إلى الرفق بهن في عمل الجوارح والرضى بالمستطاع كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام:

" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "وأما عمل القلب فلا رضى فيه بدون الغاية، فلذا كان" يقنت "مذكراً لا على شذوذ {صالحاً} أي في جميع ما أمر به سبحانه أو نهى عنه {نؤتها} أي بما لنا من العظمة على قراءة الجماعة بالنون، وقراءة حمزة والكسائي بالتحتانية على أن الضمير لله {أجرها مرتين} أي بالنسبة إلى أجر غيرها من نساء بقية الناس {وأعتدنا} أي هيأنا بما لنا من العظمة وأحضرنا {لها} بسبب قناعتها مع النبي صلى الله عليه وسلم المريد للتخلي من الدنيا التي يبغضها الله مع ما في ذلك من توفير الحظ في الآخرة {رزقاً كريماً} أي في الدنيا والآخرة، فلا شيء أكرم منه لأن ما في الدنيا منه يوفق لصرفه على وجه يكون فيه أعظم الثواب، ولا يخشى من أجله نوع عتاب فضلاً عن عقاب، وما في الآخرة منه لا يوصف ولا يحد، ولا نكد فيه بوجه أصلاً ولا كد.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«الرزق الكريم» له معنى واسع يتضمّن كلّ المواهب المادية والمعنوية، وتفسيره بالجنّة باعتبارها مجمعاً لكلّ هذه المواهب.

إنّ تعدّد مراتب الأشخاص واختلاف تأثيرهم في المجتمع نتيجة اختلاف مكاناتهم الاجتماعية، وكونهم اُسوة يوجب أن يكون الثواب والعقاب الإلهي بتلك النسبة.