اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا} (31)

قوله : { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ } أي يطع الله ورسوله{[43466]} وهذا بيان لزيادة ثوابهن كما بين زيادة عقابهن { نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } في مقابلة قوله : { يضاعف لها العذاب ضعفين } وفيه لطيفة وهي أن عند إيتاء الأجر ذكر الموفي وهو الله وعند العذاب لم يصرح بالعذاب{[43467]} فقال : «يضاعف » وهذا إشارة إلى كمال الرحمة والكرم{[43468]} . قوله : { وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا } قرأ الأخوان «ويَعْمَلْ ويُؤْتِ » - بالياء من تحت فيهما ، والباقون «وتعمل »{[43469]} بالتاء من فوق و «نُؤْتها » بالنون ، فأما الياء في «ويعمل » فلأجل الحمل على لفظ «من » وهو الأصل والتاء من فوق على معناها إذ المراد بها مؤنث{[43470]} ويرشح هذا بتقدم لفظ المؤنث وهو «منكنّ » ومثله قوله :

4085 - وإِنَّ مِنَ النِّسْوَانِ مَنْ هِيَ رَوْضَةٌ *** . . . . . . . . . {[43471]}

لما تقدم قوله «من النِّسْوان » يرجع المعنى فحمل عليه ، وأما «يؤتها » بالياء من تحت فالضمير لله تعالى لتقدمه في «لله ورسوله » وبالنون فهي نون العظمة ، وفيه انتقال من الغيبة إلى التكلم ، وقرأ الجَحْدَريُّ ويعقوبُ وابن عامر - في رواية - وأبو جعفر وشيبة{[43472]} : «تَقْنُتْ »{[43473]} بالتاء من فوق حملاً على المعنى وكذلك «وَتَعْمَلْ » . وقال أبو البقاء : إن بعضهم قرأ «وَمَنْ تَقْنُتْ »{[43474]} بالتأنيث حملاً على المعنى وَيَعْمَلْ بالتذكير حملاً على اللفظ قال : فقال بعض النحويين : هذا ضعيف لأن التذكير أصل فلا يجعل تبعاً للتأنيث وما عللوه به قد جاء مثله في القرآن قال تعالى : { خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا } [ الأنعام : 139 ] .

فصل :

معنى أجْرَهَا مَرَّتَيْن أي مثل أجر غيرها ، قال مقاتل{[43475]} : مكان كل حسنةٍ عشرون حسنةً { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } يعني الجنة ، ووصف رزق الآخرة بكونه كريماً مع أن الكرم لا يكون وصفاً إلا للرزاق{[43476]} ، وذلك إشارة إلى أن الرزق في الدنيا مقدر على أيدي الناس ، التاجر يسترزق من السوقة ، والعاملين والصناع من المتعلمين والملوك من الرعية منهم ، فالرزق في الدنيا لا يأتي بنفسه وإنما هو مستمر للغير يمسكه ويرسله إلى الأغيار{[43477]} ، وأما في الآخرة فلا يكون له ممسك ومرسل في الظاهر فهو الذي يأتي بنفسه فلأجل هذا لا يوصف في الدنيا بالكريم إلا الرازق وفي الآخرة يوصف بالكريم نفس الرزق{[43478]} .


[43466]:قاله القرطبي 14/176 و 2/86 و 3/213.
[43467]:في "ب" بالمعذب وكذا هي في تفسير الرازي 25/208.
[43468]:المرجع السابق.
[43469]:ذكرت في السبعة 521 والإتحاف 355 ومعاني القرآن للفراء 2/341 و 342 وإعراب القرآن للنحاس 3/312، وإبراز المعاني 648 والكشف 2/196 والتبيان 1056.
[43470]:وهو ظاهر كلام السمين في الدر 4/382 وابن خالويه في الحجة 290.
[43471]:صدر بيت من تام الطويل وعجزه: .............. *** تهيج الرياض قبلها وتصوح وينسب لجران العَوْد وليس بديوانه و"تصيح": تَثُور، و"تَصُوحُ" الأصل: "تتصوّح"، فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً ويقال: تصوح البقل إذا يبس أعلاه وهنا تشبيه بعض النساء بالروضة التي تتأخر في هيجان نباتها عن غيرها من الرياض ويقصد المرأة التي تتأخر عن الولادة في وقتها، وشاهده: "هي روضة" حيث راعى المعنى معنى "مَن" ولو أراد اللفظ لقال: "مَن هو". وقد تقدم.
[43472]:شيبة بن نصاح بن سرجس إمام ثقة مقرئ المدينة مع أبي جعفر وقاضيها ومولى أم سلمة من قراء التابعين أول من ألف كتاب الوقوف. مات سنة 130 هـ انظر: الغاية 1/330.
[43473]:ذكرها أبو حيان 7/228 وابن مجاهد في السبعة وأنكرها. السبعة 521 والمختصر لابن خالويه 119.
[43474]:التبيان 1056.
[43475]:وفَسَّره أَبُو عبيدة في المجاز بالثواب فقال: "نُعْطِها ثَوَابَهَا" المجاز 2/137.
[43476]:في "ب" الرازق.
[43477]:في كلتا النسختين الأعيان وفي الفخر الرازي الأغيار كأعلى ب.
[43478]:تفسير الرازي 25/208.