الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا} (31)

قوله : { وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ } : قرأ الأخَوان " ويَعْمَلْ ويُؤْتِ " بالياء مِنْ تحتُ فيهما . والباقون " وتَعْمل " بالتاء من فوق . " نُؤْتِها " بالنون . فأمَّا الياءُ في " ويَعْمَلْ " فلأجل الحَمْلِ على لفظ " مَنْ " وهو الأصلُ . والتاءُ مِنْ فوقُ على معناها ؛ إذ المرادُ بها مؤنثٌ ، وتَرَشَّح هذا بتقدُّمِ لفظِ المؤنث وهو " مِنْكُنَّ " ومثلُه قولُه :

وإنَّ مِن النِّسْوان مَنْ هي روضةٌ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

/لَمَّا تقدَّم قولُه : " مِن النسوانِ " تَرَجَّح المعنى فَحَمَل عليه . وأمَّا " يُؤْتِها " بالياءِ مِنْ تحتُ فالضمير لله تعالى لتقدُّمِه في " لله ورسوله " . وبالنون فهي نونُ العظمة . وفيه انتقالٌ من الغَيْبة إلى التكلُّم .

وقرأ الجحدريُّ ويعقوب وابن عامر في رواية وأبو جعفر وشيبةُ " تَقْنُتْ " بالتاءِ مِنْ فوقُ حَمْلاً على المعنى وكذلك " وتَعْمَل " . وقال أبو البقاء : " إنَّ بعضَهم قرأ " ومَنْ تَقْنُتْ " بالتأنيث حَمْلاً على المعنى و " يَعْمَلْ " بالتذكير حملاً على اللفظ " . قال : " فقال بعض النحويين : هذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ التذكيرَ أصلٌ فلا يُجْعَلُ تَبَعاً للتأنيث . وما عَلَّلوه به قد جاء مثلُه في القرآن . قال تعالى : { خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا } " [ الأنعام : 139 ] .