السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا} (31)

ولما بين تعالى زيادة عقابهن أتبعه زيادة ثوابهن بقوله تعالى : { ومن يقنت } أي : يطع { منكن لله } الذي هو أهل لأن لا يلتفت إلى غيره { ورسوله } الذي لا ينطق عن الهوى فلا تخالفه فيما أمر به ولا تختار عيشاً غير عيشه { وتعمل } أي : مع ذلك بجوارحها { صالحاً } أي : في جميع ما أمر به سبحانه أو نهى عنه فلا تقتصر على عمل القلب { نؤتها أجرها مرتين } أي : مثلي ثواب غيرهن من النساء . قال مقاتل : مكان كل حسنة عشرين حسنة فمرة على الطاعة ، ومرة لطلبهن رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق وطيب المعاشرة والقناعة .

تنبيه : قوله تعالى : { نؤتها أجرها مرتين } في مقابلة قوله تعالى { يضاعف لها العذاب ضعفين } وفيه لطيفة وهي أنه عند إيتاء الأجر ذكر المؤتي وهو الله تعالى ، وعند العذاب لم يصرح بالمعذب بل قال : يضاعف ، وهذا إشارة إلى كمال الرحمة والكرم ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية في يعمل ، ويؤتها حملاً على لفظ من وهو الأصل ، والباقون بالتاء الفوقية في يعمل على معنى من ، والنون في نؤتها على أن فيه ضمير اسم الله تعالى { وأعتدنا } أي : هيأنا بما لنا من العظمة { لها } أي : بسبب قناعتها مع النبي صلى الله عليه وسلم المزيد للتخلي من الدنيا التي يبغضها الله تعالى مع ما في ذلك من توفير الحظ في الآخرة { رزقاً كريماً } أي : في الدنيا والآخرة زيادة على أجرها .

أما في الدنيا : فلأن ما يرزقهن منه يوفقن لصرفه على وجه يكون فيه أعظم الثواب ، ولا يخشى من أجله نوع عقاب . وأما في الآخرة : فلا يوصف ولا يحد ، ولا نكد فيه أصلاً ، ولا كدّ ، وهذا ما جرى عليه البقاعي وهو أولى مما جرى عليه كثير من المفسرين من الاقتصار على رزق الجنة ، وعلله الرازي بقوله : ووصف رزقاً بكونه كريماً مع أن الكريم لا يكون وصفاً إلا للرازق ، وذلك إشارة إلى أن الرزق في الدنيا مقدر على أيدي الناس ، فإن التاجر يسترزق من السوقة ، والعاملون والصناع من المستعملين ، والملوك من الرعية والرعية منهم ، فالرزق في الدنيا لا يأتي بنفسه إنما هو مسخر للغير يكتسبه ويرسله إلى الأعيان ، وأما في الآخرة فلا يكون له مرسل وممسك في الظاهر فهو الذي يأتي بنفسه فلأجل هذا لا يوصف في الدنيا بالكريم إلا الرازق ، وفي الآخرة يوصف بالكريم نفس الرزق . انتهى .