التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَطَافَ عَلَيۡهَا طَآئِفٞ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآئِمُونَ} (19)

كما قال - تعالى - : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كالصريم } .

والطائف : مأخوذ من الطواف ، وهو المشى حول الشئ من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة . وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف فى الشر كما هنا ، ومنه قوله - تعالى - : { إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } وعدى لفظ " طائف " بحرف " على " لتضمينه معنى : تسلط أو نزل . والصريم - كما يقول القرطبى - : الليل المظلم . . أى : احترقت فصارت كالليل الأسود .

وعن ابن عباس : كالرماد الأسود . أو : كالزرع المحصود . فالصريم بمعنى المصروم ، أى : المقطوع ما فيه . .

أى : أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطو شيئا من جنتهم للمحتاجين ، فكانت نتيجة نيتهم السيئة ، وعزمهم على الشر . . أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها ، فصارت كالشئ المحترق الذى قطعت ثماره ، ولم يبق منه شئ ينفع .

ولم يعين - سبحانه - نوع هذا الطائف ، أو كيفية نزوله ، لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثاتر توجب الاعتبار .

وتنكير لفظ { طَآئِفٌ } للتهويل . و { من } فى قوله { مِّن رَّبِّكَ } للابتداء والتقييد بكونه من الرب - عز وجل - لإِفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه .

قال القرطبى : فى هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإِنسان ، لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا قبل فعلهم . ومثله قوله - تعالى - : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وفى الحديث الصحيح : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول فى النار . قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَطَافَ عَلَيۡهَا طَآئِفٞ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآئِمُونَ} (19)

وقوله : { فطاف عليها طائف من ربّك } ، الطواف : المشي حول شيء من كل جوانبه يُقال : طاف بالكعبة ، وأريد به هنا تمثيل حالة الإِصابة لشيء كله بحال من يطوف بمكان ، قال تعالى : { إذا مسهم طائف من الشيطان } الآية [ الأعراف : 201 ] .

وعُدّي ( طاف ) بحرف ( على ) لتضمينه معنى : تسلط أو نزل .

ولم يعين جنس الطائف لظهور أنه من جنس ما يصيب الجنات من الهلاك ، ولا يتعلق غرض بتعيين نوعه لأن العبرة في الحاصل به ، فإسناد فعل ( طاف ) إلى { طائف } بمنزلة إسناد الفعل المبني للمجهول كأنه قيل : فطِيف عليها وهم نائمون .

وعن الفراء : أن الطائف لا يكون إلاّ بالليل ، يعني ومنه سمي الخيال الذي يراه النائم في نومه طَيفاً . قيل هو مشتق من الطائفة وهي الجزء من الليل ، وفي هذا نظر .

فقوله : { وهم نائمون } تقييد لوقت الطائف على التفسير الأول ، وهو تأكيد لمعنى { طائف } على تفسير الفراء ، وفائدته تصوير الحالة .

وتنوين { طائف } للتعظيم ، أي أمر عظيم وقد بينه بقوله : { فأصبحت كالصريم } فهو طائف سوء ، قيل : أصابها عنق من نار فاحترقت .

و { من ربّك } أي جائياً من قِبَل ربّك ، ف { مِن } للابتداء يعني : أنه عذاب أرسل إليهم عقاباً لهم على عدم شكر النعمة .

وعُجل العقاب لهم قبل التلبس بمنع الصدقة لأن عزمهم على المنع وتقاسمهم عليه حقق أنهم مانعون صدقاتهم فكانوا مانعين . ويؤخذ من الآية موعظة للذين لا يواسون بأموالهم .

وإذْ كان عقاب أصحاب هذه الجنة دنيوياً لم يكن في الآية ما يدل على أن أصحاب الجنة منعوا صدقة واجبة .