ولكن هذا النصح الحكيم الذى وجهه صالح إلى المكذبين من قومه ، لم يجد أذنا صاغية منهم ، بل قابله زعماؤهم بالتكبر وبالإصرار على التخلص من صالح - عليه السلام - ومن أهله ، وقد حكى القرآن ذلك فى قوله - تعالى - : { وَكَانَ فِي المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } .
والمراد بالمدينة : مدينة قوم صالح - عليه السلام - وهى الحِجْر - بكسر الحاء وإسكان الجيم - .
قال الجمل : قوله : " تسعة رهط " أى تسعة أشخاص ، وبهذا الاعتبار وقع تمييزاً للتسعة ، لا باعتبار لفظه ، وهم الذين سعوا فى عقر الناقة ، وباشره منهم قدار بن سالف ، وكانوا من أبناء أشراف قوم صالح ، والإضافة بيانية . أى : تسعة رهط . وفى الصباح : الرهط دون العشرة من الرجال ، ليس فيهم امرأة .
ووصفهم بأنهم يفسدون فى الأرض ولا يصلحون . للإشارة إلى أن نفوسهم قد تمحضت للفساد وللإفساد ، ولا مكان فيها للصلاح وللإصلاح .
ذكر الله تعالى في هذه الآية { تسعة } رجال كانوا من أوجه القوم وأفتاهم وأغناهم وكانوا أهل كفر ومعاصٍ جمة ، جملة أمرهم أنهم { يفسدون } { ولا يصلحون } ، قال عطاء بن أبي رباح : بلغني أنهم كانوا يقرضون الدنانير والدراهم .
قال القاضي أبو محمد : وهذا نحو الأثر المروي : قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض ، و { المدينة } مجتمع ثمود وقريتهم ، و «الرهط » من أسماء الجمع القليلة ، العشرة فما دونها رهط ، ف { تسعة رهط } كما تقول تسعة رجال ، وهؤلاء المذكورون كانوا أصحاب قدار عاقر الناقة وقد تقدم في غير هذا الموضع ما ذكر في أسمائهم .
عطف جزء القصة على جزء منها . و { المدينة } : هي حِجْر ثمود بكسر الحاء وسكون الجيم المعروف مكانُها اليوم بديار ثمود ومدائن صالح ، وهي بقايا تلك المدينة من أطلال وبيوت منحوتة في الجبال . وهي بين المدينة المنورة وتبوك في طريق الشام وقد مرّ بها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في مسيرهم في غزوة تبوك ورأوا فيها آباراً نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب والوضوء منها إلا بئراً واحدة أمرهم بالشرب والوضوء بها وقال : " إنها البئر التي كانت تشرب منها ناقة صالح " .
والرهط : العدد من الناس حوالي العشرة وهو مِثل النَفر . وإضافة تسعة إليه من إضافة الجزء إلى اسم الكل على التوسع وهو إضافة كثيرة في الكلام العربي مثل : خمس ذود . واختلف أيمة النحو في القياس عليها ، ومذهب سيبويه والأخفش أنها سماعية .
وكان هؤلاء الرهط من عتاة القوم ، واختلف في أسمائهم على روايات هي من أوضاع القصّاصين ولم يثبت في ذلك ما يعتمد . واشتهر أن الذي عقر الناقة اسمه « قُدَار » بضم القاف وتخفيف الدال ، وقد تشاءم بعض الناس بعدد التسعة بسبب قصة ثمود وهو من التشاؤم المنهي عنه .
و { الأرض } : أرض ثمود فالتعريف للعهد .
وعطف { لا يصلحون } على { يفسدون } احتراس للدلالة على أنهم تمحّضوا للإفساد ولم يكونوا ممن خلطوا إفساداً بإصلاح .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وكان في المدينة} قرية صالح: الحجر {تسعة رهط يفسدون في الأرض} يعني: يعملون في الأرض بالمعاصي {ولا يصلحون}، يعني: ولا يطيعون الله عز وجل فيها منهم: قدار بن سالف... عاقر الناقة..
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وكان في مدينة صالح، وهي حِجر ثمود، تسعة أنفس يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وكان إفسادهم في الأرض: كفرهم بالله، ومعصيتهم إياه، وإنما خصّ الله جلّ ثناؤه هؤلاء التسعة الرهط بالخبر عنهم أنهم كانوا يفسدون في الأرض، ولا يصلحون، وإن كان أهل الكفر كلهم في الأرض مفسدين، لأن هؤلاء التسعة هم الذين سعوا فيما بلغنا في عقر الناقة، وتعاونوا عليه، وتحالفوا على قتل صالح من بين قوم ثمود.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَلاَ يُصْلِحُونَ} يعني أن شأنهم الإفساد البحت الذي لا يخلط بشيء من الصلاح كما ترى بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
و {يفسدون}: صفة لتسعة رهط، والمعنى: أنهم يفسدون الفساد العظيم الذي لا يخالطه شيء من الإصلاح، فلذلك قال: {ولا يصلحون}.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم، الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة، وهموا بقتل صالح أيضًا، بأن يبيتوه في أهله ليلا فيقتلوه غيْلَة، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه: إنهم ما علموا بشيء من أمره، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به، من أنهم لم يشاهدوا ذلك، فقال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ} أي: مدينة ثمود، {تِسْعَةُ رَهْطٍ} أي: تسعة نفر، {يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود؛ لأنهم كانوا كبراء فيهم ورؤساءهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الكفرة كلهم مفسدين بالكفر، وكان بعضهم ربما كان يصلح في بعض أفعاله، بين أن هؤلاء ليسوا كذلك، بل هم شر محض فحقق خلوصهم للفساد بقوله مصرحاً بما أفهمته صيغة المضارع: {ولا يصلحون}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {المدينة}: هي حِجْر ثمود بكسر الحاء وسكون الجيم المعروف مكانُها اليوم بديار ثمود ومدائن صالح، وهي بقايا تلك المدينة من أطلال وبيوت منحوتة في الجبال. وهي بين المدينة المنورة وتبوك في طريق الشام وقد مرّ بها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في مسيرهم في غزوة تبوك ورأوا فيها آباراً نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب والوضوء منها إلا بئراً واحدة أمرهم بالشرب والوضوء بها وقال:"إنها البئر التي كانت تشرب منها ناقة صالح"...و {الأرض}: أرض ثمود فالتعريف للعهد. وعطف {لا يصلحون} على {يفسدون} احتراس للدلالة على أنهم تمحّضوا للإفساد ولم يكونوا ممن خلطوا إفساداً بإصلاح.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَكَانَ في الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ في الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ} كانوا يخططون لإبقاء المجتمع تحت سلطة الكفر، في أجواء الشرّ التي تفسد الواقع بالامتيازات الظالمة التي يحصل عليها المستكبرون على حساب المستضعفين، وبالانحراف الفكري عن خط الإيمان الذي يوحّد للناس حياتهم على أساس الارتباط بالله وحده، ليكون الارتباط بكل شيء في الحياة من خلاله. وهكذا كان هؤلاء يشعرون بخطورة الرسالة الجديدة على مواقعهم ومخططاتهم، ويخافون أن يكون الموقع المميز المستقبلي لصالح وللمؤمنين معه على حساب مواقعهم الخاصة، فيتغيّر الواقع من حولهم لمصلحة الرسالة، وتختلف المفاهيم في مسائل التقييم للأوضاع وللأشخاص، فبدأوا يخططون لمواجهة هذا الخطر الجديد عليهم ويتآمرون على صالح ومن معه.
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
الهداية: -العمل بمعاصي الله تعالى هو الفساد في الأرض، والعمل بطاعته هو الإصلاح في الأرض.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.