الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَكَانَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ تِسۡعَةُ رَهۡطٖ يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ} (48)

قوله : { تِسْعَةُ رَهْطٍ } : الأكثرُ أَنَّ تمييزَ العددِ بهذا مجرورٌ ب " مِنْ " كقولِه : { أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ } [ البقرة : 260 ] . وفي المسألةِ مذاهبُ ، أحدُها : أنه لا يجوزُ إلاَّ في قليلٍ . الثاني : أنه يجوزُ ، ولكن لا ينقاس . الثالث : التفصيل بين أن/ يكونَ للقلة كرَهْطٍ ونَفَرٍ فيجوزَ أو للكثرةِ فقط ، أو لها وللقلةِ فلا يجوز ، نحو : تسعةُ قوم . ونَصَّ سيبويه على امتناعِ " ثلاث غنم " . قال الزمخشري : " وإنما جاز تمييزُ التسعةِ بالرَّهْطِ لأنه في معنى الجمعِ كأنه قيل : تسعةُ أنفسٍ " قال الشيخ : " وتقديرُ غيرِه " تسعة رجالٍ " هو الأَوْلَى لأنه من حيث أضافَ إلى أَنْفُس كان ينبغي أَنْ يقولَ " تِسْع أنفس " ، على تأنيث النفس ؛ إذ الفصيحُ فيها التأنيثُ . ألا تراهُمْ عَدُّوا من الشذوذِ قولَ الشاعر :

ثلاثةُ أَنْفسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قلت : وإنما أراد تفسيرَ المعنى .

قوله : { يُفْسِدُونَ } يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً للمعدودِ أو العددِ ، فيكونَ في موضع جرٍّ أو رفعٍ .

قوله : { وَلاَ يُصْلِحُونَ } قيل : مؤكِّدٌ للأولِ . وقيل : ليس مؤكِّداً ؛ لأنَّ بعض المفسدين قد يُصْلِحُ في وقتٍ ما ، فأخْبَرَ عن هؤلاءِ بانتفاءِ تَوَهُّمِ ذلك .