اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَانَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ تِسۡعَةُ رَهۡطٖ يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ} (48)

قوله : «وكان في المدينة تسعة رهط } يعني : مدينة ثمود ، والأكثر أن يتميز ، والعدد مجرور ب «من » ، كقوله : { أَرْبَعَةً مِّنَ الطير }{[39140]} وفي المسألة مذاهب :

أحدها : أنه لا يجوز إلا في قليل .

الثاني : أنه يجوز ولكن لا ينقاس .

الثالث : التفصيل بين أن تكون للقلة كرهط ونفر ، فيجوز ، أو للكثرة فقط ، أو لها وللقلة فلا يجوز نحو : تسعة قوم{[39141]} . ونصب سيبويه على امتناع ثلاث{[39142]} غنم{[39143]} .

قال الزمخشري : وإنما جاز تمييز التسعة بالرهط ، لأنه في معنى الجمع ، كأنه قيل : تسعة أنفس{[39144]} . قال أبو حيان : وتقدير غيره{[39145]} تسعة رجال هو الأولى{[39146]} ؛ لأنه من حيث أضاف إلى أنفس كان ينبغي أن يقول : تِسع أنفس - على تأنيث النفس - إذ الفصيح فيها التأنيث ، ألا تراهم عدوا من الشذوذ قول الشاعر :

3968 - ثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ وثَلاثُ ذَوْدٍ{[39147]} {[39148]} *** . . .

قال شهاب الدين : وإنما أراد تفسير المعنى{[39149]} . وقال ابن الخطيب : والأقرب أن يكون المراد تسعة جمع ؛ إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد ، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد ، لاختلاف وصفهم وأحوالهم ، لا لاختلاف النسب{[39150]} .

قوله : «يُفْسِدُونَ » يجوز أن يكون نعتاً للمعدود أو{[39151]} العدد ، فيكون في موضع جر أو رفع{[39152]} .

قوله : «ولا يصلِحُون » قيل : مؤكد للأول ، وقيل : ليس مؤكداً ؛ لأن بعض المفسدين قد يصلح في وقت ما ، فأخبر عن هؤلاء بانتفاء توهم ذلك{[39153]} ، وهم الذين اتفقوا على عقر الناقة ، وهم غواة قوم صالح ، ورأسهم : قُدَار بن سالف ، وهو عاقر الناقة{[39154]} .


[39140]:من قوله تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك}[البقرة: 260].
[39141]:انظر البحر المحيط 7/83، التصريح 2/270، الهمع 1/253، الأشموني 4/5.
[39142]:في النسختين: ثلاثة. والصواب ما أثبته.
[39143]:انظر الكتاب 3/562.
[39144]:الكشاف 3/146.
[39145]:وهو ابن عطية. انظر تفسيره 11/218.
[39146]:في ب: الأول. وهو تحريف.
[39147]:صدر بيت من بحر الوافر، قاله الحطيئة، وعجزه: لقد جار الزَّمان على عيالي وقد تقدم.
[39148]:البحر المحيط 7/83.
[39149]:الدر المصون 5/199.
[39150]:الفخر الرازي 24/203، وفيه: السبب.
[39151]:في ب: و.
[39152]:انظر التبيان 2/1010، البحر المحيط 7/83.
[39153]:انظر الكشاف 3/146، البحر المحيط 7/83.
[39154]:انظر البغوي 6/291.