ولكن عيسى - عليه السلام - أنطقه الله - تعالى - بما يدل على صدق مريم وطهارتها فقال : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله . . } أى : قال عيسى فى رده على المنكرين على أمه إتيانها به : إنى عبد الله ، خلقنى بقدرته ، فأنا عبده وأنتم - أيضاً - عبيده ، وهذا الخالق العظيم { آتَانِيَ الكتاب } أى : سبق فى قضائه إيتائى الكتاب أى : الإنجيل أو التوراة أو مجموعهما .
وعبر فى هذه الجملة وفيما بعدها بالفعل الماضى عما سيقع فى المستقبل ، تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع الفعلى .
وهذا التعبير له نظائر كثيرة فى القرآن الكريم ، منها قوله - تعالى - : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } وقوله - سبحانه - { وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ
{ إني عبد الله } الآية وروي أنه قام متكئاً على يساره وأشار إليهم بسبابته اليمنى ، و { الكتاب } هو الإنجيل ويحتمل أن يريد التوراة والإنجيل ، ويكون الإيتاء فيهما مختلفاً ، و { آتاني } معناه قضي بذلك وأنفذه في سابق حكمه وهذا نحو قوله تعالى { أتى أمر الله }{[7952]} [ النحل : 1 ] ، وغير هذا . وأمال الكسائي «آتاني وأوصاني » والباقون لا يميلون ، قال أبو علي الامالة في { آتاني } أحسن لأن في { أوصاني } مستعلياً .
كلام عيسى هذا مما أهملته أناجيل النصارى لأنهم طووا خبر وصولها إلى أهلها بعد وضعها ، وهو طيّ يتعجب منه . ويدل على أنها كتبت في أحوال غير مضبوطة ، فأطلع الله تعالى عليه نبيئه صلى الله عليه وسلم .
والابتداء بوصف العبودية لله ألقاه الله على لسان عيسى لأن الله علم بأن قوماً سيقولون : إنه ابن الله .
والتعبير عن إيتاء الكتاب بفعل المضي مراد به أن الله قدّر إيتاءه إياه ، أي قدّر أن يوتيني الكتاب .
والكتاب : الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير . فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن . والمراد بالكتاب الإنجيل وهو ما كتب من الوحي الذي خاطب الله به عيسى . ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة فيكون الإيتاء إيتاءَ علم ما في التوراة كقوله تعالى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [ مريم : 12 ] فيكون قوله { وجعلني نبيئاً } ارتقاء في المراتب التي آتاه الله إياها .
والقول في التعبير عنه بالماضي كالقول في قوله و { ءاتانِي الكِتَابَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.