التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (44)

وبعد أن ساق - سبحانه - هذا الدليل العلوى على وحدانيته وقدرته . أتبعه بدليل زمنى يحسه الناس ويشاهدونه فى حياتهم فقال : { يُقَلِّبُ الله الليل والنهار } أى : يعاقب بينهما فيأتى بهذا ، ويذهب بذاك ، وينقص أحدهما ويزيد فى الآخر ، ويجعل أولهما وقتا لحلول نعمه والثانى لنزول نقمه ، أو العكس ، فهو - سبحانه - صاحبهما والمتصرف فيها " إن فى ذلك " التقليب والإزجاء والتأليف ، وغير ذلك من مظاهر قدرته المبثوثة فى الآفاق " لآيات " عظيمة " لأولى الأبصار " التى تبصر قدرة الله - تعالى - وتعتبر بها ، فتخلص له العبادة والطاعة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (44)

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (44)

التقليب تغيير هيئة إلى ضدها ومنه { فأصبح يُقلب كفيه على ما أنفق فيها } [ الكهف : 42 ] أي يدير كفيه من ظاهر إلى باطن ، فتقليب الليل والنهار تغيير الأفق من حالة الليل إلى حالة الضياء ومن حالة النهار إلى حالة الظلام ، فالمقلَّب هو الجو بما يختلف عليه من الأعراض ولكن لما كانت حالة ظلمة الجو تُسمى ليلاً وحالة نوره تسمى نهاراً عُبر عن الجو في حالتيه بهما ، وعدي التقليب إليهما بهذا الاعتبار .

ومما يدخل في معنى التقليب تغيير هيئة الليل والنهار بالطول والقصر . ولرعي تكرر التقلب بمعنييه عبر بالمضارع المقتضي للتكرر والتجدد .

والكلام استئناف . وجيء به مستأنفاً غير معطوف على آيات الاعتبار المذكورة قبله لأنه أريد الانتقال من الاستدلال بما قد يخفى على بعض الأبصار إلى الاستدلال بما يشاهده كل ذي بصر كل يوم وكل شهر فهو لا يكاد يخفى على ذي بصر . وهذا تدرج في موقع هذه الجملة عقب جملة { يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } [ النور : 43 ] كما أشرنا إليه آنفاً . ولذلك فالمقصود من الكلام هو جملة { إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار } ، ولكن بني نظم الكلام على تقديم الجملة الفعلية لما تقتضيه من إفادة التجدد بخلاف أن يقال : إن في تقليب الليل والنهار لعبرة .

والإشارة الواقعة في قوله : { إن في ذلك } إلى ما تضمنه فعل { يقلب } من المصدر . أي إن في التقليب . ويرجح هذا القصد ذكر العبرة بلفظ المفرد المنكر .

والتأكيد ب { إن } إما لمجرد الاهتمام بالخبر وإما لتنزيل المشركين في تركهم الاعتبار بذلك منزلة من ينكر أن في ذلك عبرة .

وقيل : الإشارة بقوله : { إن في ذلك } إلى جميع ما ذكر آنفاً ابتداء من قوله : { ألم تر أن الله يزجي سحاباً } [ النور : 43 ] فيكون الإفراد في قوله : { لعبرة } ناظراً إلى أن مجموع ذلك يفيد جنس العبرة الجامعة لليقين بأن الله هو المتصرف في الكون .

ولم تَرد العبرة في القرآن معرّفة بلام الجنس ولا مذكورة بلفظ الجمع .