التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ إِلۡيَاسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

ثم ساق - سبحانه - جانبا من قصة إلياس - عليه السلام - وهو أيضاً من ذرية إبراهيم وإسحاق ، فقال - تعالى - :

{ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ . . . } .

إلياس - عليه السلام - هو ابن فنحاص بن العيزار بن هارون - عليه السلام - فهو ينتهى نسبه - أيضا - إلى إبراهيم وإسحاق .

ويعرف إلياس فى كتب الإِسرائيليين باسم { إيليا } وقد أرسله الله - تعالى - إلى قوم كانوا يعبدون صنما يسمونه بعلا .

ويقال : إن رسالته كانت فى عهد " آخاب " أحد ملوك بنى إسرائيل فى حوالى القرن العاشر ق م .

والمعنى : { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين } الذين أرسلناهم إلى الناس ليخرجوهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّ إِلۡيَاسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

و { إلياس } نبي من أنبياء الله تعالى ، قال قتادة وابن مسعود : هو إدريس عليه السلام ، وقالت فرقة : هو من ولد هارون عليه السلام ، قال الطبري هو إلياس بن نسي بن فنحاص بن ألعيزار بن هارون ، وقرأ الجمهور من القراء «وإن إلياس » بهمزة مكسورة ، وهو اسم ، وقرأ ابن عامر وابن محيصن وعكرمة والحسن والأعرج «وإن الياس » بغير همز بصلة الألف ، وذلك يتجه على أحد وجهين : إما أن يكون حذف الهمزة كما حذفها ابن كثير من قوله تعالى { إنها لحدى الكبر }{[1]} [ المدثر : 35 ] أراد «لإحدى » فنزل المنفصل منزلة المتصل ، كما قد ينزل في كثير من الأمور ، والآخر أن يجعلها الألف التي تصحب اللام للتعريف كاليسع ، وفي مصحف أبي بن كعب «وإن ايِليَس » بألف مكسورة الهمزة وياء ساكنة قبل اللام المكسورة وياء ساكنة بعدها وسين مفتوحة ، وكذلك في قوله «سلام على إيليس » ، وقرأ نافع وابن عامر على «آل ياسين » وقرأ الباقون «سلام على إلياسين » بألف مكسورة ولام ساكنة ، قرأ الحسن وأبو رجاء «على الياسين » موصولة فوجه الأولى أنها فيما يزعمون مفصولة في المصحف فدل ذلك على أنها بمعنى أهل و «ياسين » اسم أيضاً ل { إلياس } وقيل هو اسم لمحمد صلى الله عليه وسلم ووجه الثانية أنه جمع إلياسي كما قالوا أعجمي أعجميون ، قال أبو علي : والتقدير إلياسين فحذف كما حذف من أعجميين ، ونحوه من الأشعريين والنمريين والمهلبين{[2]} ، وحكى أبو عمرو أن منادياً نادى يوم الكلاب ، هلك اليزيدون{[3]} ، ويروي قول الشاعر :

* قدني من نصر الخبيبين قدي . . . . . . {[4]}*

بكسر الباء الثانية نسبة إلى أبي خبيب ، ويقال سمي كل واحد من آل ياسين إلياس كما قالوا شابت مفارقه فسمي كل جزء من المفرق مفرقاً ، ومنه قولهم «جمل ذو عثانين »{[5]} ، وعلى هذا أنشد ابن جني : [ الرجز ]

مرت بنا أول من أموس . . . تميس فينا مشية العروس{[6]}

فسمى كل جزء من الأمس أمس ثم جمع ، وقال أبو عبيدة لم يسلم على آل أحد من الأنبياء المذكورين قبل فلذلك ترجح قراءة من قرأ «إلياسين » إذ هو اسم واحد له ، وقرأ ابن مسعود والأعمش «وإن إدريس لمن المرسلين » و «سلام على إدريس » وروى هذه القراءة قطرب وغيره وإن إدراسين وإدراس لغة في إدريس كإبراهيم وإبراهام .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّ إِلۡيَاسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

أتبع الكلام على رسل ثلاثة أصحاب الشرائع : نوح وإبراهيم وموسى بالخبر عن ثلاثة أنبياء وما لقوه من قومهم وذلك كله شواهد لتسلية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقوارع من الموعظة لكفار قريش . وابتدىءَ ذكر هؤلاء الثلاثة بجملة { وإنَّ إلياسَ لَمِنَ المُرسلينَ } لأنهم سواء في مرتبة الدعوة إلى دين الله ، وفي أنهم لا شرائع لهم . وتأكيد إرسالهم بحرف التأكيد للاهتمام بالخبر لأنه قد يغفل عنه إذ لم تكن لهؤلاء الثلاثة شريعة خاصة . و { إلياس } هو ( إيلياء ) من أنبياء بني إسرائيل التابعين لشريعة التوراة ، وأطلق عليه وصف الرسول لأنه أمر من جانب الله تعالى بتبليغ ملوك إسرائيل أن الله غضب عليهم من أجل عبادة الأصنام ، فإطلاق وصف الرسول عليه مثل إطلاقه على الرسل إلى أهل أنطاكية المذكورين في سورة يس .

و { إذ } ظرف متعلق ب { المرسلين } ، أي أنه من حين ذلك القول كان مبلغاً رسالة عن الله تعالى إلى قومه .

وقد تقدم ذكر إلياس في سورة الأنعام ، والمراد بقومه : بنو إسرائيل وكانوا قد عبدوا بَعْلاً معبودَ الكنعانيين بسبب مصاهرة بعض ملوك يهوذا للكنعانيين ولذلك قام إلياس داعياً قومه إلى نبذ عبادة بَعْل الصنم وإفرادِ الله بالعبادة .