الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِنَّ إِلۡيَاسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

قوله تعالى : " وإن إلياس لمن المرسلين " قال المفسرون : إلياس نبي من بني إسرائيل . وروي عن ابن مسعود قال : إسرائيل هو يعقوب وإلياس هو إدريس . وقرأ : " وإن إدريس " وقاله عكرمة . وقال : هو في مصحف عبدالله : " وإن إدريس لمن المرسلين " وانفرد بهذا القول . وقال ابن عباس : هو عم اليسع{[13295]} . وقال ابن إسحاق وغيره : كان القيم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوقنا ثم حزقيل ، ثم لما قبض الله حزقيل النبي عظمت الأحداث في بني إسرائيل ، ونسوا عهد الله وعبدوا الأوثان من دونه ، فبعث الله إليهم إلياس نبيا وتبعه اليسع وآمن به ، فلما عتا عليه بنو إسرائيل دعا ربه أن يريحه منهم فقيل له : اخرج يوم كذا وكذا إلى موضع كذا وكذا ، فما استقبلك من شيء فاركبه ولا تهبه . فخرج ومعه اليسع فقال : يا إلياس ما تأمرني . فقذف إليه بكسائه من الجو الأعلى ، فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل ، وكان ذلك آخر العهد به . وقطع الله على إلياس لذة المطعم والمشرب ، وكساه الريش وألبسه النور ، فطار مع الملائكة ، فكان إنسيا ملكيا سماويا أرضيا . قال ابن قتيبة : وذلك أن الله تعالى قال لإلياس : " سلني أعطك " . قال : ترفعني إليك وتؤخر عني مذاقة الموت . فصار يطير مع الملائكة . وقال بعضهم : كان قد مرض وأحس الموت فبكى ، فأوحى الله إليه : لم تبك ؟ حرصا على الدنيا ، أو جزعا من الموت ، أو خوفا من النار ؟ قال : لا ، ولا شيء من هذا وعزتك ، إنما جزعي كيف يحمدك الحامدون بعدي ولا أحمدك ! ويذكرك الذاكرون بعدي ولا أذكرك ! ويصوم الصائمون بعدي ولا أصوم ! ويصلي المصلون ولا أصلي ! ! فقيل له : " يا إلياس وعزتي لأؤخرنك إلى وقت لا يذكرني فيه ذاكر " . يعني يوم القيامة . وقال عبد العزيز بن أبي رواد : إن إلياس والخضر عليهما السلام يصومان شهر رمضان في كل عام ببيت المقدس يوافيان الموسم في كل عام . وذكر ابن أبي الدنيا ، إنهما يقولان عند افتراقهما عن الموسم : ما شاء الله ما شاء الله ، لا يسوق الخير إلا الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، ما يكون من نعمة فمن الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، توكلت على الله حسبنا الله ونعم الوكيل . وقد مضى في " الكهف " {[13296]} . وذكر من طريق مكحول عن أنس قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بفج الناقة عند الحجر ، إذا نحن بصوت يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفور لها ، المتوب عليها ، المستجاب لها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أنس ، انظر ما هذا الصوت ) . فدخلت الجبل ، فإذا أنا برجل أبيض اللحية والرأس ، عليه ثياب بيض ، طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فلما نظر إلي قال : أنت رسول النبي ؟ قلت : نعم ؛ قال : ارجع إليه فأقرئه مني السلام وقل له : هذا أخوك إلياس يريد لقاءك . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه ، حتى إذا كنا قريبا منه ، تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت ، فتحدثا طويلا ، فنزل عليهما شيء من السماء شبه السفرة فدعواني فأكلت معهما ، فإذا فيها كمأة ورمان وكرفس ، فلما أكلت قمت فتنحيت ، وجاءت سحابة فاحتملته فإذا أنا أنظر إلى بياض ثيابه فيها تهوي ، فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم : بأبي أنت وأمي ! هذا الطعام الذي أكلنا أمن السماء نزل عليه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سألته عنه فقال يأتيني به جبريل في كل أربعين يوما أكلة ، وفي كل حول شربة من ماء زمزم ، وربما رأيته على الجب يملأ بالدلو فيشرب وربما سقاني ) .


[13295]:قال بعض المفسرين هو ابن عم اليسع.
[13296]:راجع ج 11 ص 43 طبعة أولى أو ثانية.