الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِنَّ إِلۡيَاسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

أخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن إلياس لمن المرسلين . . . } الآيات . قال : إنما سمي بعلبك لعبادتهم البعل ، وكان موضعهم البدء ، فسمي بعلبك .

وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه في قوله { وإن إلياس } قال : إن الله تعالى بعث إلياس إلى بعلبك ، وكانوا قوماً يعبدون الأصنام ، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة على العامة ، كل ملك على ناحية يأكلها ، وكان الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ويقتدي برأيه ، وهو على هدي من بين أصحابه ، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام فقالوا له : ما يدعوك إلا إلى الضلالة والباطل ، وجعلوا يقولون له : أعبد هذه الأوثان التي تعبد الملوك ، وهم على ما نحن عليه ؛ يأكلون ، ويشربون ، وهم في ملكهم يتقلبون ، وما تنقص دنياهم من ربهم الذي تزعم أنه باطل ، وما لنا عليهم من فضل .

فاسترجع إلياس ، فقام شعر رأسه وجلده ، فخرج عليه إلياس . قال الحسن رضي الله عنه : وإن الذي زين لذلك الملك امرأته ، وكانت قبله تحت ملك جبار ، وكان من الكنعانيين في طول ، وجسم ، وحسن ، فمات زوجها ، فاتخذت تمثالاً على صورة بعلها من الذهب ، وجعلت له حدقتين من ياقوتتين ، وتوجته بتاج مكلل بالدر والجوهر ، ثم أقعدته على سرير ، تدخل عليه فتدخنه ، وتطيبه ، وتسجد له ، ثم تخرج عنه ، فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه ، وكانت فاجرة ، قد قهرت زوجها ، ووضعت البعل في ذلك البيت ، وجعلت سبعين سادنا ، فعبدوا البعل ، فدعاهم إلياس إلى الله ، فلم يزدهم ذلك إلا بعداً .

فقال إلياس : اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك ، وعبادة غيرك ، فغير ما بهم من نعمتك ، فأوحى الله إليه : إني قد جعلت أرزاقهم بيدك . فقال : اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين ، فأمسك الله عنهم القطر ، وأرسل إلى الملك فتاه اليسع ، فقال : قل له إن إلياس يقول لك أنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله ، واتبعت هوى امرأتك ، فاستعد للعذاب والبلاء ، فانطلق اليسع ، فبلغ رسالته للملك ، فعصمه الله تعالى من شر الملك ، وأمسك الله عنهم القطر ، حتى هلكت الماشية ، والدواب ، وجهد الناس جهداً شديداً .

وخرج إلياس إلى ذروة جبل ، فكان الله يأتيه برزقه ، وفجر له عيناً معيناً لشرابه وطهوره ، حتى أصاب الناس الجهد ، فأرسل الملك إلى السبعين ، فقال لهم : سلوا البعل أن يفرج ما بنا ، فأخرجوا أصنامهم ، فقربوا لها الذبائح ، وعطفوا عليها ، وجعلوا يدعون حتى طال ذلك بهم ، فقال لهم الملك : إن إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤلاء ، فبعثوا في طلب إلياس ، فأتى فقال : أتحبون أن يفرج عنكم ؟ قالوا : نعم .

قال : فاخرجوا أوثانكم ، فدعا إلياس عليه السلام ربه أن يفرج عنهم ، فارتفعت سحابة مثل الترس . وهم ينظرون ، ثم أرسل الله عليهم المطر ، فأغاثهم ، فتابوا ورجعوا .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن مسعود قال { إلياس } هو إدريس .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : كان يقال أن { إلياس } هو إدريس عليه السلام .

وأخرج ابن عساكر عن كعب رضي الله عنه قال : أربعة أنبياء اليوم أحياء . اثنان في الدنيا : إلياس ، والخضر . واثنان في السماء : عيسى ، وإدريس .

وأخرج ابن عساكر عن ابن شوذب رضي الله عنه قال : الخضر عليه السلام من وفد فارس ، وإلياس عليه السلام من بني إسرائيل ، يلتقيان كل عام بالموسم .

وأخرج ابن عساكر عن وهب رضي الله عنه قال : دعا إلياس عليه السلام ربه أن يريحه من قومه ، فقيل له : انظر يوم كذا وكذا . . . فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس ، فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها ، فجعل يتوقع ذلك اليوم ، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس ، لونه كلون النار ، حتى وقف بين يديه ، فوثب عليه ، فانطلق به ، فكان آخر العهد به ، فكساه الله الريش ، وكساه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب ، فصار في الملائكة عليهم السلام .

وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه قال : إلياس عليه السلام موكل بالفيافي . والخضر عليه السلام بالجبال ، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى ، وإنهما يجتمعان كل عام بالموسم .

وأخرج الحاكم عن كعب رضي الله عنه قال : كان إلياس عليه السلام صاحب جبال وبرية ، يخلو فيها يعبد ربه عز وجل ، وكان ضخم الرأس ، خميص البطن ، دقيق الساقين ، في صدره شامة حمراء ، وإنما رفعه الله تعالى إلى أرض الشام ، لم يصعد به إلى السماء ، وهو الذي سماه الله ذا النون .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الخضر هو إلياس » .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل وضعفه عن أنس رضي الله عنه قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلاً ، فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة ، المثاب لها ، فأشرفت على الوادي ، فإذا طوله ثلثمائة ذراع وأكثر . فقال : من أنت ؟ قلت : أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين هو ؟ قلت : هو ذا يسمع كلامك قال : فأته وأقرئه مني السلام ، وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فجاء حتى عانقه ، وقعدا يتحدثان فقال له : يا رسول الله إني آكل في كل سنة يوماً ، وهذا يوم فطري ، فكل أنت وأنا ، فنزلت عليهما مائدة من السماء ، وخبز ، وحوت ، وكرفس ، فأكلا وأطعماني ، وصليا العصر ، ثم ودعني وودعه ، ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإِسناد ، وقال الذهبي : بل هو ، موضوع ، قبح الله من وضعه .

قال : وما كنت أحسب ، ولا أجوِّز ، أن الجهل يبلغ بالحاكم أن يصحح هذا " .