التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ} (6)

وبعد أن بين - سبحانه - أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أعمالها ، أتبع ذلك بأمر الإِنسان بالتفكر فيما ينفعه ، بأن يعتبر بأول نشأته ، وليعلم أن من خلقه من ماء مهين ، قادر على إعادته إلى الحياة مرة أخرى ، فقال - تعالى - : { فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب . . . } .

والفاء فى قوله { فَلْيَنظُرِ . . . } للتفريع على ما تقدم ، وهى بمعنى الفصيحة ، وقوله : { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } جواب الاستفهام فى قوله - سبحانه - { مِمَّ خُلِقَ } والمقصود بالاستفهام هنا : الحث والحض على التفكر والتدبر .

و " دافق " اسم فاعل من الدفق ، وهو الصب للشئ بقوة وسرعة ، يقال : تدفق الماء إذا سال باندفاع وسرعة . والمراد به هنا : الماء الذى تخرج من الرجل ويصب فى رحم المرأة .

والصلب : يطلق على فقار الظهر بالنسبة للرجل ، والترائب : جمع تربية ، وهى العظام التى تكون فى أعلى صدر المرأة ، ويعبرون عنها بقولهم موضع القلادة من المرأة .

أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم - أيها الناس - ، من أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ خلق ؟ لقد خلقه الله - تعالى - بقدرته ، من ماء متدفق ، يخرج بقوة وسرعة من الرجل ، ليصب فى رحم الأنثى .

وهذا الماء الدافق من صفاته أنه يخرج من بين صلب الرجل ، ومن بين ترائب المرأة ، حيث يختلط الماءان ، ويتكون منهما الإِنسان فى مراحله المختلفة بقدرة الله - تعالى - .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه اتصال قوله : { فلينظر } بما قبله ؟

قلت : وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظا ، أتبعه بتوصية الإِنسان بالنظر فى أول أمره . ونشأته الأولى ، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعمل ليوم الإِعادة والجزاء ، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره فى عاقبته .

" مم خلق " استفهام جوابه : { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } ، والدفق : صَبٌّ فيه دفع .

ومعنى " دافق " النسبة إلى الدفق الذى هو مصدر دفق ، كالابن والتامر . أو الإِسناد المجازى ، والدفق فى الحقيقة لصاحبه .

ولم يقل ماءين لامتزاجهما فى الرحم ، واتحادهما حين ابتدئ فى خلقه . .

وقال بعض العلماء : قوله : { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أى : من ماء ذى دفق . . وكل من منى الرجل . ومنى المرأة ، اللذين يتخلق منهما الجنين ، ذو وفق فى الرحم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ} (6)

ثم بادر اللفظ إلى الجواب{[11736]} اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة ، إذ لا جواب لأحد إلا هذا ، و { دافق } ، قال كثير : هو بمعنى : مدفوق ، وقال الخليل وسيبويه : هو على النسب أي ذي دفق ، والدفق : دفق الماء بعضه إلى بعض ، تدفق الوادي والسيل ، إذا جاء يركب بعضه بعضاً ، ويصح أن يكون الماء دافقاً ، لأن بعضه يدفع بعضاً ، فمنه { دافق } ومنه مدفوق .


[11736]:هكذا في كل الأصول، وكلمة "اللفظة" هنا تكاد تكون زائدة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ} (6)

ومعنى { دافق } خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطفة الرجل .

وصيغة { دافق } اسم فاعل من دفق القاصر ، وهو قول فريق من اللغويين . وقال الجمهور : لا يستعمل دفَق قاصراً . وجعلوا دافقاً بمعنى اسم المفعول وجعلوا ذلك من النادر .

وعن الفراء : أهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلاً ، إذا كان في طريقة النعت . وسيبويه جعله من صيغ النسب كقولهم : لاَبن وتَامِر ، ففسر دافق : بذي دَفْق .

والأحسن أن يكون اسم فاعل ويَكون دفق مطاوع دفقه كما جعل العجاج جَبَر بمعنى انْجبر في قوله :

قد جبر الدينَ الإله فجبر

وأنه سماعي .