التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ} (8)

وقوله - سبحانه - : { إِنَّهُ على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . يَوْمَ تبلى السرآئر . فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِر } . بيان لكمال قدرته - تعالى- وأنه كما أنشأ الإِنسان من ماء مهين ، قادر على إعادته إلى الحياة بعد موته . والضمير فى قوله : { إنه } يعود إلى الله - عز وجل - لأن الخالق للإِنسان من ماء دافق هو الله - تعالى - .

والضمير فى قوله " رجعه " يعود إلى الإِنسان المخلوق .

وقوله : { تبلى } من البلاء بمعنى الاختبار والامتحان . ومنه قوله - تعالى - { إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين } والمراد بقوله { تبلى } هنا : الكشف والظهور .

و { السرائر } جمع سريرة ، وهى ما أسره الإِنسان من أقوال وأفعال ، والظرف " يوم " متعلق بقوله : { رجعه } .

أى : إن الله - تعالى - الذى قدر على خلق الإِنسان من ماء دافق .

يخرج من بين الصلب والترائب . . لقادر - أيضا - على إعادة خلق هذا الإِنسان بعد موته ، وعلى بعثه من قبره للحساب والجزاء ، يوم القيامة ، يوم تكشف المكنونات ، وتبدو ظاهرة للعيان ، وترفع الحجب عما كان يخفيه الإِنسان فى دنياه من عقائد ونيات وغيرهما .

وفى هذا اليوم لا يكون للإِنسان من قوة تحميه من الحساب والجزاء ، ولا يكون له من ناصر ينصره من بأس الله - تعالى - أو من مدافع يدافع عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ} (8)

وقوله تعالى : { إنه على رجعة لقادر } الضمير في { إنه } لله تعالى ، واختلف المفسرون في الضمير في { رجعه } : فقال قتادة وابن عباس : هو على { الإنسان } على أي على رده حياً بعد موته ، وقال الضحاك : هو عائد على { الإنسان } لكن المعنى يرجعه ماء كما كان أولاً ، وقال الضحاك أيضاً : يرد من الكبر إلى الشباب ، وقال عكرمة ومجاهد : هو عائد على الماء ، أي يرده في الإحليل ، وقيل في الصلب ، والعامل في { يوم } على هذين القولين الأخيرين فعل مضمر تقديره اذكر { يوم تبلى السرائر } ، وعلى القول الأول ، وهو أظهر الأقوال وأبينها ، اختلفوا في العامل في { يوم } ، فقيل : العامل { ناصر } ، من قوله تعالى : { ولا ناصر } ، وقيل العامل الرجع في قوله تعالى : { على رجعه } ، قالوا وفي المصدر من القوة بحيث يعمل وإن حال خبر ان بينه وبين معموله ، وقال الحذاق العامل فعل مضمر تقديره : { إنه على رجعه لقادر } ، فرجعه { يوم تبلى السرائر } ، وكل هذه الفرق فسرت من أن يكون العامل «قادر » ، لأن ذلك يظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده ، وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب ، جاز أن يكون العامل «قادر » ، وذلك أنه قال : { إنه على رجعه لقادر } ، أي على الإطلاق أولاً وآخراً وفي كل وقت ، ثم ذكر تعالى وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصل إلى العذاب ليجتمع الناس إلى حذره والخوف منه

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ} (8)

استئناف بياني ناشىء عن قوله : { فلينظر الإنسان مم خلق } [ الطارق : 5 ] لأن السامع يتساءل عن المقصد من هذا الأمر بالنظر في أصل الخلقة ، وإذ قد كان ذلك النظر نظر استدلال فهذا الاستئناف البياني له يتنزل منزلة نتيجة الدليل ، فصار المعنى : أن الذي خلق الإنسان من ماء دافق قادر على إعادة خلقه بأسباب أخرى وبذلك يتقرر إمكان إعادة الخلق ويزول ما زعمه المشركون من استحالة تلك الإِعادة .

وضمير { إنه } عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر لمعاد ولكنّ بناءَ الفعل للمجهول في قوله : { خلق من ماء دافق } [ الطارق : 6 ] يؤذن بأن الخالق معروف لا يُحتاج إلى ذكر اسمه ، وأسند الرَّجع إلى ضميره دون سلوك طريقة البناء للمجهول كما في قوله : { خلق } لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك .

وضمير { رجعه } عائد إلى { الإنسان } [ الطارق : 5 ] .

والرجع : مصدر رَجَعَه المتعدّي . ولا يقال في مصدر رجَع القاصر إلا الرجوع .