التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

لما كان الأمر كذلك جاء حرف الردع بعد ذلك فقال - تعالى - : { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم . وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين }

فقوله - تعالى - : { كلا } زرج وردع عن قول هذا الإِنسان { ربي أَكْرَمَنِ } عند حصول النعمة ، وعن قوله { ربي أَهَانَنِ } عند حصول التقتير فى الرزق ، لأن الله - تعالى - قد يوسع على الكافر وهو مهان ومبغوض منه - تعالى - ، وقد يضيق - سبحانه - على المؤمن مع محبته له ، وكلا الأمرين حاصل بمقتضى حكمته - عز وجل - والمؤمن الصادق هو الذى يشكر عند الرخاء ، ويصبر عند البأساء .

و " بل " هنا للإضراب الانتقالى ، من ذمهم على القبيح من القول ، إلى ذمهم بما هو أشنع منه ، وهو ارتكابهم للقبيح من الأفعال .

أى : كلا ليس قولكم هذا وهو أن الإِكرام فى الإعطاء ، والإهانة فى المنع - هو القبيح فحسب ، بل هناك ما هو أقبح منه ، وهو أنكم ، أيها الكافرون - .

{ لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم } أى : لا تعطفون على اليتيم وهو الذى مات أبوه وهو صغير ، بأن تتركوه معرضا للفقر والاحتياج ، دون أن تعملوا على تقديم يد المساعدة إليه

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

ثم قال تعالى : { كلا } ردّاً على قولهم ومعتقدهم ، أي ليس إكرام الله تعالى وإهانته ، في ذلك ، وإنما ذلك ابتلاء فحق من ابتلي بالغنى أن يشكر ويطيع ، ومن ابتلي بالفقر أن يشكر ويصبر ، وأما إكرام الله تعالى فهو بالتقوى ، وإهانته فبالمعصية ، ثم أخبرهم بأعمالهم من أنهم لا يكرمون اليتيم وهو من بني آدم الذي فقد أباه وكان غير بالغ . ومن البهائم ما فقد أمه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أحَبُّ البيوت إلى الله ، بيت فيه يتيم مكرم {[11801]} » .


[11801]:أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، عن عمر رضي الله عنه، وأخرجه العقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في الحلية عن عمر أيضا ولكن بلفظ (خير بيوتكم بيت فيه يتيم مكرم)، ورمز له الإمام السيوطي في الجامع الصغير بأنه صحيح.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

{ بل } إضراب انتقالي . والمناسبة بين الغرضين المنتقل منه والمنتقللِ إليه مناسبةُ المقابَلةِ لمضمون { فأكرمه ونعمه } من جهة ما توهموه أن نعمة مالِهم وسعة عيشهم تكريم من الله لهم ، فنبههم الله على أنهم إن أكرمهم الله فإنهم لم يُكرموا عبيده شُحّاً بالنعمة إذ حَرموا أهل الحاجة من فضول أموالهم وإذ يستزيدون من المال ما لا يحْتاجُون إليه وذلك دحض لتفخرهم بالكرم والبذل .

فجملة : { لا تكرمون اليتيم } استئناف كما يقتضيه الإضراب ، فهو إمّا استئناف ابتداء كلام ، وإما اعتراض بين { كلاّ } وأختها كما سيأتي وإكرام اليتيم : سَد خَلته ، وحسن معاملته ، لأنه مظنة الحاجة لفقدِ عائِلِه ، ولاستيلائهم على الأموال التي يتركها الآباءُ لأبنائهم الصغار . وقد كانت الأموال في الجاهلية يتداولها رؤساء العائلات .

والبِرّ ، لأنه مظنة انكسار الخاطر لشعوره بفقد من يُدِلّ هو عليه .

و { اليتيم } : الصبي الذي مات أبوه وتقدم في سورة النساء ، وتعريفه للجنس ، أي لا تكرمون اليتامى . وكذلك تعريف { المسكين } .

و { كلاّ } ردع عن هذا القول أي ليس ابتلاء الله الإِنسان بالنعيم وبتقتير الرزق مسبباً على إرادة الله تكريم الإِنسان ولا على إرادته إهانته . وهذا ردع مجمل لم يتعرض القرآن لتبيينه اكتفاء بتذييل أحوال الأمم الثلاث في نعمتهم بقوله : { إن ربك لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] بعد قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } [ الفجر : 13 ] .