التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (75)

ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، جانبا من قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وملئه ، فبدأت بحكاية بعض المحاورات التي دارت بينه وبينهم ، فقال - تعالى - :

{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ موسى وَهَارُونَ . . . } .

قوله - سبحانه - { ثُمَّ بَعَثْنَا . . } معطوف على ما قبله وهو قوله : ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ . . . ) من باب عطف القصة على القصة ، وهو من قبيل عطف الخاص على العام ، لما في هذا الخاص من عبر وعظات .

والمعنى : ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الكرام الذين جاءوا لأقوامهم بالأدلة والبينات . { موسى وَهَارُونَ } عليهما السلام . . { إلى فِرْعَوْنَ } الذي قال لقومه " أنا ربكم الأعلى " وإلى { ملئه } أى : خاصته وأشراف مملكته وأركان دولته ، ولذلك اقتصر عليهم ، لأن غيرهم كالتابع لهم .

{ بِآيَاتِنَا } أى : بعثناهما إليهم مؤيدين بآياتنا ، الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا وعلى صدقهما فيما يبلغانه عنا من هدايات وتوجيهات .

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بقوله { بِآيَاتِنَا } الآيات التسع التي جاء ذكرها في قوله تعالى في سورة الإِسراء { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . . . } قال الجمل : " وتقدم في الأعراف منها ثمانية ، ثنتان في قوله - تعالى - { فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هي ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } وقوله : { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هي بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } وواحدة في قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين وَنَقْصٍ مِّن الثمرات لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } وخمسة في قوله - تعالى - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . . . } والتاسعة في هذه السورة - سورة يونس - في قوله - تعالى - : { رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ } ثم بين - سبحانه - موقف فرعون وملئه من دعوة موسى لهم فقال : { فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } .

والاستكبار : ادعاء الكبر من غير استحقاق ، والفاء فصيحة ، والتقدير : ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه ، فأتياهم ليبلغاهم دعوة الله ، ويأمراهم بإخلاص العبادة له ، فاستكبروا عن طاعتهما ، وأعجبوا بأنفسهم ، وكانوا قوما شأنهم وديدنهم الإِجرام ، وهو ارتكاب ما عظم من الذنوب ، وقبح من الأفعال .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة : " فاستكبروا عن قبولها ، وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبينها ، ويتعظموا عن تقبلها " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (75)

والضمير في { بعدهم } على الرسل ، والضمير في { ملئه } عائد على { فرعون } ، والملأ : الجماعة من قبيلة وأهل مدينة ، ثم يقال للأشراف والأعيان من القبيلة أو البلد ملأ ، أي هم يقومون مقام الملأ ، وعلى هذا الحد هي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريش بدر : «أولئك » الملأ «وكذلك هي في قوله تعالى : { إن الملأ يأتمرون بك }{[6185]} . وأما في هذه الآية فهي عامة لأن بعثة موسى وهارون كانت إلى فرعون وجميع قومه من شريف ومشروف ، وقد مضى في { المص } [ الأعراف : 1 ] ، ذكر ما بعث إليهم فيه ، و الآيات : البراهين والمعجزات وما في معناها ، وقوله { فاستكبروا } أي تعظموا وكفروا بها ، و { مجرمين } معناه يرتكبون ما لم يبح الله ويجسرون من ذلك على الخطر الصعب .


[6185]:- من الآية (20) من سورة (القصص).