التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} (62)

ثم واصلت السورة حتى نهايتها ، حديثها عن النعم التى منحها - سبحانه - لمن خاف مقام ربه ، فقال - تعالى - : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ . . . } .

قوله - سبحانه - : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ولفظ دون هنا يحتمل أنه بمعنى غير ، أى : ولمن خاف مقام ربه جنتان ، وله - أيضا - جنتان أخريان غيرهما ، فهو من باب قوله - سبحانه - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ } قالوا : ويشهد لهذا الاحتمال . أن الله - تعالى - قد وصفت هاتين الجنتين بما يقارب وصفه للجنتين السابقتين ، وأن تكرير هذه الأوصاف من باب الحض على العمل الصالح الذى يوصل الى الظفر بتلك الجنات ، وما اشتملت عليه من خيرات .

ويحتمل أن لفظ { دُونِ } هنا : بمعنى أقل ، أى : وأقل نم تلك الجنتين فى المنزلة والقدر ، جنتان أخريان .

وعلى هذا المعنى سار جمهور المفسرين ، ومن المفسرين الذين ساروا على هذالرأى افمام ابن كثير ، فقد قال - رحمه الله - هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما فى المرتبة والفضيلة والمنزلة ، بنص القرآن ، فقد قال - تعالى - : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } .

فالأوليان للمقربين ، والأخريان : لأصحاب اليمين .

والدليل على شرف الأولين على الأخرين وجوه :

أحدها : أنه نعت الأوليين قبل هاتين ، والتقديم يدل على الاعتناء ، ثم قال : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } وهذا ظاهر فى شرف المتقدم ، وعلوه على الثانى .

وقال هناك { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } وهى الأغصان ، أو الفنون فى الملاذ :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} (62)

وقوله تعالى : { ومن دونهما جنتان } اختلف الناس في معنى : { من دونهما } ، فقال ابن زيد وغيره معناه : أن هذين دون تينك في المنزلة والقدرة ، والأوليان جنتا السابقين ، والأخريان جنتا أصحاب اليمين . قال الرماني قال ابن عباس : الجنات الأربع للخائف { مقام ربه } [ الرحمن : 46 ] . وقال الحسن الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين . وقال ابن عباس ، المعنى : هما دونهما في القرب إلى المنعمين وهاتان المؤخرتان في الذكر أفضل من الأوليين ، يدل على ذلك أنه وصف عيني هذه بالنضخ والأخريين بالجري فقط ، وجعل هاتين مدهامتين من شدة النعمة ، والأوليين ذواتي أفنان ، وكل جنة ذات أفنان وإن لم تكن مدهامة{[10851]} .

قال القاضي أبو محمد : وأكثر الناس على التأويل الأول ، وهذه استدلالات ليست بقواطع . وروي عن أبي موسى الأشعري أنه قال : جنتان للمقربين من ذهب ، وجنتان لأهل اليمين من فضة مما دون الأولين .


[10851]:رجح الزمخشري هذا القول، وذكر غيره أن الأول أرجح لأنه ذكر فيه جري العينين والنضخ دون الجري، ولقوله:{فيهما من كل فاكهة} وفي المتأخرين قال:{فيهما فاكهة}، ولأن الاتكاء في الأوليين على ما بطائنه من ديباج وهو الفُرش وفي المتأخرين الاتكاء على الرفرف وهو كسر الخباء، والفُرُش المُعدة للاتكاء أفضل، ولكن هذه مجرد استدلالات لا تقطع بالحقيقة كما قال ابن عطية رحمه الله.