ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه البشارة العظيمة للمؤمنين فقال : { ياأيتها النفس المطمئنة . ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فادخلي فِي عِبَادِي . وادخلي جَنَّتِي } .
والنفس المطمئنة : هى النفس الآمنة من الخوف أو الحزن فى يوم القيامة . بسبب إيمانها الصادق ، وعملها الصالح ، والكلام على إرادة القول . أى : يقول الله - تعالى - على لسان ملائكته ، إكراما للمؤمنين ، عند وفاتهم ، أو عند تمام حسابهم : يأيتها النفس الآمنة المطمئنة ، الناعمة بروح اليقين ، الواثقة بفضل الله - تعالى - ورحمته .
ولما فرغ ذكر هؤلاء المعذبين عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال : { يا أيتها النفس المطمئنة } الآية ، و { المطمئنة } معناه : الموقنة غاية اليقين ، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال : { ولكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] ، فهي درجة زائدة على الإيمان ، وهي أن لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله ، واختلف الناس في هذا النداء متى يقع فقال ابن زيد وغيره : هو عند خروج نفس المؤمن من جسده في الدنيا ، وروي أن أبا بكر الصديق سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له :
( إن الملك سيقولها لك يا أبا بكر عند موتك ){[11819]} .
لما استوعب ما اقتضاه المقام من الوعيد والتهديد والإِنذار ختم الكلام بالبشارة للمؤمنين الذين تذكروا بالقرآن واتَّبعوا هديه على عادة القرآن في تعقيب النذارة بالبشارة والعكس فإن ذلك مما يزيد رغبة الناس في فعل الخير ورهبتهم من أفعال الشر .
واتصالُ هذه الآية بالآيات التي قبلها في التلاوة وكتابة المصحف الأصل فيه أن تكون نزلت مع الآيات التي قبلها في نسق واحد . وذلك يقتضي أن هذا الكلام يقال في الآخرة . فيجوز أن يُقَال يومَ الجزاء فهو مقول قولٍ محذوف هو جواب ( إذا ) { إذا دكت الأرض } [ الفجر : 21 ] الآية وما بينهما مستطرد واعتراض .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة : يا أيتها النفس المطمئنة ، يعني بالمطمئنة : التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به ، في الدنيا من الكرامة في الآخرة ، فصدّقت بذلك . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : المصدّقة الموقِنة بأن الله ربها ، المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها . وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ : «يا أيّتُها النّفْسُ الآمِنَةُ » . وقيل : إن ذلك قول الملَك للعبد عند خروج نفسه مبشره برضا ربه عنه ، وإعداده ما أعد له من الكرامة عنده .
وقال آخرون ... عن أُسامة بن زيد ، عن أبيه ، في قوله : "يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ" قال : بُشّرت بالجنة عند الموت ، ويوم الجمع ، وعند البعث . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فالمطمئنة ، هي الساكنة التي لا ترتاب ، ولا تضطرب طمأنينتها بوعد الله ووعيده وأمره ونهيه وتوحيده . ثم يجوز أن يكون هذا في أمر الدنيا ،...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ يا أيتها النفس } على إرادة القول ، أي : يقول الله للمؤمن : { يا أيتها النفس } إمّا أن يكلمه إكراماً له كما كلم موسى صلوات الله عليه ، أو على لسان ملك . و { المطمئنة } الآمنة التي لا يستفزّها خوف ولا حزن ، وهي النفس المؤمنة أو المطمئنة إلى الحق التي سكنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك ... فإن قلت : متى يقال لها ذلك ؟ قلت : إمّا عند الموت . وإمّا عند البعث ، وإمّا عند دخول الجنة . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ يا أيتها النفس المطمئنة } الآية ، و { المطمئنة } معناه : الموقنة غاية اليقين ، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال : { ولكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] ، فهي درجة زائدة على الإيمان ، وهي أن لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله ، ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ يا أيتها النفس المطمئنة } أي التي هي في غاية السكون لا خوف عليها ولا حزن ولا نقص ولا غبون ، لأنها كانت في الدنيا في غاية الثبات على كل ما أخبر به عن الدار الآخرة وغيرها من وعد ووعيد وتحذير وتهديد ، فهم راجون لوعده خائفون من وعيده ، وإذا كانت هذه حال النفس التي شأنها الميل إلى الدنيا فما ظنك بالروح التي هي خير صرف...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واتصالُ هذه الآية بالآيات التي قبلها في التلاوة وكتابة المصحف الأصل فيه أن تكون نزلت مع الآيات التي قبلها في نسق واحد . وذلك يقتضي أن هذا الكلام يقال في الآخرة . فيجوز أن يُقَال يومَ الجزاء فهو مقول قولٍ محذوف هو جواب ( إذا ) { إذا دكت الأرض } [ الفجر : 21 ] الآية وما بينهما مستطرد واعتراض .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
( يا أيّتها النفس المطمئنة ) . . ( ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة ) . . ( فادخلي في عبادي ) . . ( وادخلي جنّتي ) . فهل ثمّة أجمل وألطف من هذا التعبير ! . . . تعبير يحكي دعوة اللّه سبحانه وتعالى لتلك النفوس المؤمنة ، المخلصة ، المحبّة والواثقة بوعده جلّ شأنه . . دعوتها لتعود إلى ربّها ومالكها ومصلحها الحقيقي . . .. وما قوله تعالى : «جنتي » إلاّ للإشارة إلى أنّ المضيف هو اللّه جلّ جلاله . . . فما أروعها من دعوة ! وما أعظمه وأكرمه من داع ! وما أسعده من مدعو ! ويراد بالنفس هنا : الروح الإنسانية . «المطمئنة » : إشارة إلى الاطمئنان الحاصل من الإيمان ، بدلالة الآية ( 28 ) من سورة الرعد : ( ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب ) . ويعود اطمئنان النفس ، لاطمئنانها بالوعود الإلهية من جهة ، ولاطمئنانها لما اختارت من طريق . . وهي مطمئنة في الدنيا سواء أقبلت عليها أم أدبرت ، ومطمئنة عند أهوال حوادث يوم القيامة الرهيبة أيضاً ....
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.