ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أنه لا يستوى الأعمى والبصير ، ومدح أولى الألباب بما هم أهله من مدح ، وذم أضدادهم بما يستحقون من ذم ، فقال - تعالى - :
{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ . . . } .
قال الإمام الرازى : " قوله - تعالى - { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى . . . } إشارة إلى المثل المتقدم ذكره - في قوله - تعالى - { أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً } وهو أن العالم بالشئ كالبصير ، والجاهل به كالأعمى ، وليس أحدهما كالآخر ، لأن الأعمى إذا أخذ يمشى من غير قائد ، فربما يقع في المهالك . . أما البصير فإنه يكون آمنا من الهلاك والإِهلاك .
والمراد بالأعمى هنا : الكافر الذي انطمست بصيرته ، فأصبح لا يفرق بين الحق والباطل .
والاستفهام للانكار والاستبعاد .
المعنى : أفمن يعلم أن ما أنزل إليك - أيها الرسول الكريم - من وحى هو الحق الذي يهدى للتى هي أقوم ، كمن هو أعمى القلب : مطموس البصيرة ؟ ؟
فالآية الكريمة تنفى بأبلغ أسلوب ، مساواة الذين علموا الحق فاتبعوه ، بمن جهلوه وأعرضوا عنه ، وصموا آذانهم عن سماعه .
وقوله { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب } مدح لأصحاب العقول السليمة ، الذين ذكروا بالحق فتذكروه ، وآمنوا به ، وتعليل لإِعراض الكافرين عنه ، ببيان أن سبب إعراضهم ، أنهم ليسوا أهلا للتذكر ، لأن التذكر إنما هو من شأن أولى الألباب .
والألباب : جمع لب وهو الخالص من كل شئ .
أى : إنما يتذكر وينتفع بالتذكير ، أصحاب العقول السليمة وهم المؤمنون الصادقون .
وقوله : { أفمن يعلم } استفهام بمعنى التقرير ، والمعنى : أسواء من هداه الله فعلم صدق نبوتك وآمن بك ، ومن لم يهتد ولا رزق بصيرة فبقي على كفره ، فمثل عز وجل ذلك بالعمى .
وروي أن هذه الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام ، وقيل : في عمار بن ياسر وأبي جهل بن هشام ، وهي بعد هذا مثال في جميع العالم .
و { إنما } في هذه الآية حاصرة ، أي { إنما يتذكر } فيؤمن ويراقب الله من له لب وتحصيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.