التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك المادة التي خلق منها الجان فقال - سبحانه - : { والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم } والمراد بالجان هنا : أبو الجن عند جمهور المفسرين . وقيل هو إبليس . وقيل هو اسم لجنس الجن . وسمى جانا لتواريه عن الأعين ، واستتاره عن بنى آدم .

أى : والجان خلقناه { من قبل } أى : من قبل خلق آدم { مِن نَّارِ السموم } أى : من الريح الحارة التي تقتل . وسميت سموماً ، لأنها لشدة حرارتها ، وقوة تأثيرها تنفذ في مسام البدن .

قال ابن كثير : وقد ورد في الحديث الصحيح : " خُلِقت الملائكة من نور ، وخُلِقت الجان من مارج من نار ، وخُلق بنو آدم مما وصف لكم " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

{ والجان } أبا الجن . وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان ، لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره . { خلقناه من قبل } من قبل خلق الإنسان . { من نار السّموم } من نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة ، فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي ، وقوله : { من نار } باعتبار الغالب كقوله : { خلقتكم من تراب } ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول للجمع والإحياء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

{ الجان } يراد به جنس الشياطين ، ويسمون : جنة وجاناً لاستتارهم عن العين . وسئل وهب بن منبه عنهم فقال : هم أجناس ، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس تفعل هذا كله ، منها السعالي والغول وأشباه ذلك .

وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «والجأن » بالهمز{[7163]} .

قال القاضي أبو محمد : والمراد بهذه الحلقة إبليس أبو الجن ، وفي الحديث : «أن الله تعالى خلق آدم من جميع أنواع التراب الطيب والخبيث والأسود والأحمر »{[7164]} وفي سورة البقرة إيعاب هذا وقوله { من قبل } لأن إبليس خلق قبل آدم بمدة ، وخلق آدم آخر الخلق . و { السموم } - في كلام العرب - إفراط الحر حتى يقتل من نار أو شمس أو ريح . وقالت فرقة : السموم بالليل ، والحرور بالنهار .

قال القاضي أبو محمد : وأما إضافة { نار } إلى { السموم } في هذه الآية فيحتمل أن تكون النار أنواعاً ، ويكون { السموم } أمراً يختص بنوع منها فتصح الإضافة حينئذ ؛ وإن لم يكن هذا فيخرج هذا على قولهم : مسجد الجامع ، ودار الآخرة ، على حذف مضاف .


[7163]:وهي أيضا قراءة عمرو بن عبيد، قاله في "البحر المحيط".
[7164]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود، والترمذي، و الحاكم في مستدركه، والبيهقي في السنن، عن أبي موسى، ورمز له الإمام السيوطي بالصحة، ولفظه كما في "الجامع الصغير": (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحسن والخبيث والطيب وبين ذلك).