التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ} (40)

ثم فصل - سبحانه - أحوالهم ومواقفهم من القرآن الكريم فقال : { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين } .

أى : ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ، ويتبعك وينتفع بها أرسلت به ، ومنهم من لا يؤمن به أبدا لاستحبابه العمى على الهدى .

وعليه يكون المراد بمن يؤمن به ، أولئك الذين وفقهم الله لاتباع الحق عن يقين وإذعان .

وقيل إن المعنى : ومن قومك يا ممد أناس مؤمنون في قرارة نفوسهم بأن هذا القرآن من عند الله ، ولكنهم يكذبونك جحودا وعنادا ومنهم من لا يؤمن به أصلا لا نطماس بصيرته ، وإيثاره الغي على الرشد .

وعلى هذا التفسير يكون المراد بمن يؤمن به : أولئك الذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم ، ولكن الغرور والجهل والحسد حال بينهم وبين اتباعه .

وقوله : { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين } أى : وربك أعلم بالمفسدين في الأرض بالشرك والظلم والفجور ، وسيحاسبهم على ذلك يوم الدين حسابا عسيرا ، ويذيقهم العذاب الذي يستحقونه ، فالمراد بالعلم هنا لازمه وهو الحساب والعقاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ} (40)

وقوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ } أي : ومن هؤلاء الذين بُعثتَ{[14240]} إليهم يا محمد من يؤمن{[14241]} بهذا القرآن ، ويتبعك وينتفع بما أرسلت به ، { وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ } بل يموت على ذلك ويبعث عليه ، { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ } أي : وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ، ومن يستحق الضلالة فيضله ، وهو العادل الذي لا يجور ، بل يعطي كلا ما يستحقه ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه ، لا إله إلا هو .


[14240]:- ت في ت : "الذين من بعثت".
[14241]:- في ت ، أ : "سيؤمن".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ} (40)

عطف على جملة : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } [ يونس : 39 ] لأن الإخبار عن تكذيبهم بأنه دون الإحاطة بعلم ما كذبوا به يقتضي أن تكذيبهم به ليس عن بصيرة وتأمل . وما كان بهاته المثابة كان حال المكذبين فيه متفاوتاً حتى يبلغ إلى أن يكون تكذيباً مع اعتقاد نفي الكذب عنه ، ولذلك جاء موقع هذه الآية عقب الأخرى موقع التخصيص للعام في الظاهر أو البيان للمجملِ من عدم الإحاطة بعلمه ، كما تقدم بيانه في قوله : { بما لم يحيطوا بعلمه } [ يونس : 39 ] . فكان حالهم في الإيمان بالقرآن كحالهم في اتباع الأصنام إذ قال فيهم : { وما يتبع أكثرهم إلا ظناً } [ يونس : 36 ] ، فأشعر لفظ { أكثرهم } بأن منهم من يعلم بطلان عبادة الأصنام ولكنهم يتبعونها مشايعة لقومهم ومكابرة للحق ، وكذلك حالهم في التكذيب بنسبة القرآن إلى الله ، فمنهم من يؤمن به ويكتم إيمانه مكابرة وعَداء ، ومنهم من لا يؤمنون به ويكذبون عن تقليد لكبرائهم .

والفريقان مشتركان في التكذيب في الظاهر كما أنبأت عنه ( من ) التبعيضية ، وضمير الجمع عائد إلى ما عادت إليه ضمائر { أم يقولون افتراه } [ يونس : 38 ] فمعنى يؤمن به يصدق بحقيته في نفسه ولكنه يظهر تكذيبه جمعاً بين إسناد الإيمان إليهم وبين جعلهم بعضاً من الذين يقولون { افتراه } .

واختيار المضارع للدلالة على استمرار الإيمان به من بعضهم مع المعاندة ، واستمرار عدم الإيمان به من بعضهم أيضاً .

وجملة : { وربك أعلم بالمفسدين } معترضة في آخر الكلام على رأي المحققين من علماء المعاني ، وهي تعريض بالوعيد والإنذار ، وبأنهم من المفسدين ، للعلم بأنه ما ذكر { المفسدين } هنا إلاّ لأن هؤلاء منهم وإلا لم يكن لذكر { المفسدين } مناسبة ، فالمعنى : وربك أعلم بهم لأنه أعلم بالمفسدين الذين هم من زمرتهم .