التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور } .

أى : ذلك الذى فعلناه بهم من تدبيل جنتيهم ، بحنتين ذواتى أكل خمط . . هو الجزاء العادل لهم بسبب جحودهم وترفهم وفسوقهم عن أمرنا .

وإننا من شأننا ومن سنتنا أننا لا نعاقب ولا نجازى هذا الجزاء الرادع الشديد ، إلا لمن جحد نعمنا ، وكفر بآيتاتنى ، وآثر الغى على الرشد ، والعصيان على الطاعة .

فاسم الإِشارة يعود إلى التبديل الذى تحدثت عنه الآية السابقة . وهو المفعول الثانى لجزيناهم مقدم عليه . أى : جزيناهم ذلك التبديل لا غيره . والمراد بالجزاء هنا : العقاب .

قال صاحب الكشاف : قوله : { وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور } بمعنى وهل يعاقب .

وهو الوجه الصحيح . وليس لقائل أن يقول : لم قيل : وهل يجازى إلا الكفور ، على اختصاص الكفر بالجزاء ، والجزاء عام للمؤمن والكافر ، لأنه لم يرد الجزاء العام وإنما أريد الخاص وهو العقاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

15

أي : عاقبناهم بكفرهم .

قال مجاهد : ولا يعاقب إلا الكفور .

وقال الحسن البصري : صدق الله العظيم . لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور . وقال طاوس : لا يناقش إلا الكفور .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو عمر بن النحاس الرملي ، حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا أبو البيداء ، عن هشام بن صالح التغلبي{[24261]} ، عن ابن خيرة - وكان من أصحاب علي ، رضي الله عنه - قال : جزاء المعصية الوهن في العبادة ، والضيق في المعيشة ، والتعسر في اللذة . قيل : وما التعسر في اللذة ؟ قال : لا يصادف لذة حلالا{[24262]} إلا جاءه مَنْ يُنَغِّصه إياها .


[24261]:- في ت: "وقال ابن أبي حاتم بإسناده".
[24262]:- في ت: "حلالاً".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

وقوله { ذلك } إشارة إلى ما أجراه عليهم ، وقوله { وهل يجازي } أي يناقش ويعارض{[9639]} بمثل فعل قدراً لأن جزاء المؤمنين إنما هو بتفضيل وتضعيف ، وأما الذي لا يزاد ولا ينقص فهو { الكفور } قاله الحسن بن أبي الحسن ، وقال طاوس هي المناقشة ، وكذلك إن كان المؤمن إذ ذنوب فقد يغفر له ولا يجازى ، والكافر يجازي ولا بد ، وقد قال عليه السلام «من نوقش الحساب عذب »{[9640]} ، وقرأ جمهور القراء «يجازَى » بالياء وفتح الزاي ، وقرأ حمزة والكسائي «نجازي » بالنون وكسر الزاي ، «الكفورَ » بالنصب ، وقرأ مسلم بن جندب{[9641]} «وهل يجزي » وحكى عنه أبو عمرو الداني أنه قرأ «وهل يُجزي » بضم الياء وكسر الزاي ، قال الزجاج يقال جزيت في الخير وجازيت في الشر .

قال الفقيه الإمام القاضي : فترجح هذه قراءة الجمهور .


[9639]:استعمل هذه الصيغة لأن قراءة العامة هي:{وهل يجازى)، والمعنى: يناقش ويعارض.
[9640]:رواه البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها، ورمز له الإمام السيوطي في الجامع الصغير بأنه حديث حسن، وروى الطبراني في الكبير(من نوقش المحاسبة هلك).
[9641]:هو مسلم بن جندب الهذلي، المدني، القاص، ثقة فصيح قارئ، من الثالثة، مات سنة ست ومائة.(تقريب التهذيب).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

استئناف بياني ناشىء عن قوله : { فأرسلنا عليهم سيل العرم } [ سبأ : 16 ] فهو من تمام الاعتراض .

واسم الإِشارة يجوز أن يكون في محل نصب نائباً عن المفعول المطلق المبيِّن لنوع الجزاء ، وهو من البيان بطريق الإِشارة ، أي جزيناهم الجزاء المشار إليه وهو ما تقدم من التبديل بجَنَّتَيْهم جنتين أخريين . وتقديمه على عامله للاهتمام بشدة ذلك الجزاء . واستحضاره باسم الإِشارة لما فيها من عظمة هوله .

ويجوز أن يكون اسم الإِشارة في محل رفع بالابتداء وتكون الإِشارة إلى ما تقدم من قوله : { فأرسلنا عليهم سيل العرم } إلى قوله : { من سدر قليل } [ سبأ : 16 ] ويكون جملة { جزيناهم } خبرَ المبتدأ والرابط ضمير محذوف تقديره : جزيناهموه .

والباء في { بما كفروا } للسبيبة و ( ما ) مصدرية ، أي بسبب كفرهم .

والكفر هو الكفر بالله ، أي إنكار إلهيته لأنهم عبَدةُ الشمس .

والاستفهام في { وهل يجازى } إنكاري في معنى النفي كما دل عليه الاستثناء .

و { الكفور } : الشديد الكفر لأنهم كانوا لا يعرفون الله ويعبدون الشمس فهم أسوأ حالاً من أهل الشرك .

والمعنى : ما يُجَازَى ذلك الجزاء إلا الكفور لأن ذلك الجزاء عظيم في نوعه ، أي نوع العقوبات فإن العقوبة من جنس الجزاء . والمثوبة من جنس الجزاء فلما قيل { ذلك جزيناهم بما كفروا } تعين أن المراد : وهل يجازى مثل جزائهم إلا الكفور ، فلا يتوهم أن هذا يقتضي أن غير الكفور لا يجازى على فعله ، ولا أن الثواب لا يسمى جزاء ولا أن العاصي المؤمن لا يجازَى على معصيته ، لأن تلك التوهمات كلها مندفعة بما في اسم الإِشارة من بيان نوع الجزاء ، فإن الاستئصال ونحوه لا يجري على المؤمنين .

وقرأ الجمهور { يجازى } بياء الغائب والبناء للمجهول ورفع { الكفورُ } . وقرأ حمزة والكسائي بنون العظمة والبناء للفاعل ونصب { الكفور } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ذلك} الهلاك {جزيناهم بما كفروا} كافأناهم بكفرهم.

{وهل نجازي إلا الكفور} وهل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله عز وجل في نعمه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِمَا كَفَرُوا" يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلنا بهؤلاء القوم من سبأ من إرسالنا عليهم سيل العرم، حتى هلكت أموالهم، وخَرِبت جناتهم، جزاء منّا على كفرهم بنا، وتكذيبهم رسلنا...

وقوله: "وَهَلْ نُجازِي إلاّ الكَفُورَ"... ومعنى الكلام: كذلك كافأناهم على كفرهم بالله، وهل يُجازَي إلا الكفور لنعمة الله؟.

فإن قال قائل: أو ما يجزي الله أهل الإيمان به على أعمالهم الصالحة، فيخصّ أهل الكفر بالجزاء؟ فيقال وهل يجازي إلا الكفور؟ قيل: إن المجازاة في هذا الموضع: المكافأة، والله تعالى ذكره وعد أهل الإيمان به التفضل عليهم، وأن يجعل لهم بالواحدة من أعمالهم الصالحة عشرَ أمثالها إلى ما لا نهاية له من التضعيف، ووعد المسيء من عباده أن يجعل بالواحدة من سيئاته، مثلَها مكافأة له على جُرمه، والمكافأة لأهل الكبائر والكفر والجزاء لأهل الإيمان مع التفضل، فلذلك قال جلّ ثناؤه في هذا الموضع: «وَهَلْ يُجازَي إلاّ الكَفُورُ»؟ كأنه قال جلّ ثناؤه: لا يجازَي: لا يكافأ على عمله إلا الكفور، إذا كانت المكافأة مثل المكافَأ عليه، والله لا يغفر له من ذنوبه شيئا، ولا يُمَحّصُ شيء منها في الدنيا. وأما المؤمن فإنه يتفضل عليه على ما وصفتُ... عن مجاهد وَهَلْ نُجازِي: نعاقِب.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ما عوملوا إلا بما استوجبوا، ولا سُقُوا إلاَّ مِمَّا ثَبِطوا، وما وقعوا إلاَّ في الوَهْدَةِ التي حَفَرُوا، وما قُتِلُوا إلا بالسيف الذي صَنَعُوا!

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

"وهل نجازي إلا الكفور" بسوء عمله، وذلك أن المؤمن تكفر عنه سيئاته والكافر يجازى بكل سوء يعمله.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وهل يجازى} أي يناقش ويقارض بمثل فعل قدراً بقدر؛ لأن جزاء المؤمنين إنما هو بتفضيل وتضعيف، وأما الذي لا يزاد ولا ينقص فهو {الكفور}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والاستفهام في {وهل يجازى} إنكاري في معنى النفي كما دل عليه الاستثناء.

{الكفور}: الشديد الكفر، لأنهم كانوا لا يعرفون الله ويعبدون الشمس فهم أسوأ حالاً من أهل الشرك.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يقرر الحق تبارك وتعالى أن ما نزل بهم ليس ظلماً لهم، إنما جزاء ما فعلوا {ذَٰلِكَ..} يعني: ما سبق ذِكْره من الأكل الخمط والأثل والسدر {جَزَيْنَاهُمْ..} أي: جزاءً لهم {بِمَا كَفَرُواْ..} والكفر سَتْر النعمة، وهؤلاء ستروا نعمة الله حين ظنوا أنهم يأكلون من جَهْدهم وسعيهم وملكهم، وستروا نعمة الله حين لم يلتفتوا إلى المنعم سبحانه ولم يشكروه، فما أطاعوا في

{كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ..} [سبأ: 15] وما أطاعوا في {وَاشْكُرُواْ لَهُ..} [سبأ: 15].

ثم يُنزه الحق سبحانه نفسه بهذا الاستفهام التقريري: {وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ الْكَفُورَ} وجاء بالكفور وهي صيغة مبالغة، ولم يقل سبحانه: الكافر، وهذا من رحمته سبحانه بعباده، فهو سبحانه لا يجازي منهم إلاَّ الكفور أي: المُصِرّ على الكفر المتمادي فيه.