التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (43)

ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم على شركهم ، وأن يسوق لهم الدليل الواضح على فساد عقولهم ، فقال - تعالى - : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً } .

وقد قرأ جمهور القراء { كما تقولون } وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم { كما يقولون } .

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان ، أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه أن المعنى .

قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - إذا لطلبوا إلى ذى العرش - وهو الله عز وجل - طريقا وسبيلا لتوصلهم إليه ، لكى ينازعوه فى ملكه ، ويقاسموه إياه ، كما هى عادة الشركاء ، وكما هو ديدن الرؤساء والملوك فيما بينهم .

قال - تعالى - : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } وقال سبحانه - : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ } وهذا الاتجاه قد صدر به صاحب الكشاف كلامه فقال ما ملخصه : قوله { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً } جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو . أى : إذا لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالية ، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض . . .

وأما الاتجاه الثانى فيرى أصحابه أن المعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - ، إذا لابتغوا - أى الآلهة المزعومة - إلى ذى العرش سبيلا وطريقا ليقتربوا إليه ، ويعترفوا بفضله ، ويخلصوا له العبادة ، كما قال - تعالى - : { أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } وقد اقتصر ابن كثير على هذا الوجه فى تفسيره للآية فقال : يقول - تعالى - : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه ، لو كان الأمر كما تقولون ، من أن معه آلهة تعبد . . لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه يبتغون إليه الوسيلة والقربة .

ومع وجاهة الرأيين ، إلا أن الرأى الأول أظهر ، لأن فى الآية فرض المحال ، وهو وجود الآلهة مع الله - تعالى - ، وافتراض وجودها المحال لا يظهر منه أنها تتقرب إليه - سبحانه - ، بل الذى يظهر منه أنها تنازعه لو كانت موجودة ، ولأن هذا الرأى يناسبه - أيضا - قوله - تعالى - بعد ذلك : { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } .

أى : تنزه الله - تعالى - عما يقوله المشركون فى شأنه وتباعد ، وعلا علوا كبيرا ، فإنه - جل شأنه - لا ولد له ، فلا شريك له . . .

قال - تعالى - : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } والتعبير بقوله - سبحانه - : { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً } يشير إلى الارتفاع والتسامى على تلك الآلهة المزعومة ، وأنها دون عرشه - تعالى - وتحته ، وليست معه . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (43)

ثم نزه نفسه الكريمة وقدّسها فقال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ } أي : هؤلاء المشركون المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى { عُلُوًّا كَبِيرًا } أي : تعاليًا كبيرا ، بل هو الله الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كُفُوًا أحد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (43)

و { سبحانه } مصدر بفعل متروك إظهاره ، فهو بمعنى التنزيه ، موضعه هنا موضع تنزه ، فلذلك عطف الفعل عليه في قوله { وتعالى } ، والتعالي تفاعل أما في الشاهد والأجرام فهو من اثنين ، لأن الإنسان إذ صعد في منزله أو في جبل فكأن ذلك يعاليه ، وهو يعالي ويرتقي ، وأما في ذكر الله تعالى فالتعالي هو بالقدر لا بالإضافة إلى شيء آخر ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو «عما يقولون » بالياء ، وقرأ حمزة والكسائي «تقولون » بالتاء من فوق ، .

و { علواً } ، مصدر على غير الفعل ، فهو كقوله { والله أنبتكم من الأرض نباتاً }{[7582]} وهذا كثير .


[7582]:الآية (17) من سورة (نوح).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (43)

إنشاء تنزيه لله تعالى عما ادعوه من وجود شركاء له في الإلهية .

وهذا من المقول اعتراض بين أجزاء المقول ، وهو مستأنف لأنه نتيجة لبطلان قولهم : إن مع الله آلهة ، بما نهضت به الحجة عليهم من قوله : { إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلاً } . وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله تعالى : { سبحانه وتعالى عمّا يصفون } في سورة [ الأنعام : 100 ] .

والمراد بما يقولون ما يقولونه مما ذكر آنفاً كقوله تعالى : ونرثه ما يقول .

وعلوا } مفعول مطلق عامله { تعالى } . جيء به على غير قياس فعله للدلالة على أن التعالي هو الاتصاف بالعلو بحق لا بمجرد الادعاء كقول سعدة أم الكميت بن معر :

تعاليت فوق الحق عن آل فَقعس *** ولم تَخش فيهم ردة اليوم أو غد

وقوله سبحانه : { ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم } [ المؤمنون : 24 ] ، أي يدعي الفضل ولا فضل له . وهو منصوب على المفعولية المطلقة المبينة للنوع .

والمراد بالكبير الكامل في نوعه . وأصل الكبير صفة مشبهة : الموصوف بالكبر . والكبر : ضخامة جسم الشيء في متناول الناس ، أي تعالى أكمل علو لا يشوبه شيء من جنس ما نسبوه إليه ، لأن المنافاة بين استحقاق ذاته وبين نسبة الشريك له والصاحبة والولد بلغت في قوة الظهور إلى حيث لا تحتاج إلى زيادة لأن وجوب الوجود والبقاء ينافي آثار الاحتياج والعجز .

وقرأ الجمهور { عما يقولون } بياء الغيبة . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بتاء الخطاب على أنه التفات ، أو هو من جملة المقول من قوله : { قل لو كان معه آلهة } [ الإسراء : 42 ] على هذه القراءة .