التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ يَٰمُوسَىٰ} (83)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن فتنة قوم موسى - عليه السلام - بعد أن ذهب لمناجاة ربه ، وكيف انقادوا لخديعة السامرى لهم . . . فقال - تعالى - : { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ . . . } .

هذه الآيات الكريمة تحكى قصة ملخصها : أن موسى عليه السلام بعد أن أهلك الله - تعالى - فرعون وجنوده ، سار ببنى إسرائيل متجها ناحية جبل الطور ، ثم تركهم مستخلفا عليهم أخاه هارون ، وذهب لمناجاة ربه ومعه سبعون من وجهائهم ، ثم عجل من بينهم شوقا للقاء ربه ، فأخبره - سبحانه - بما أحدثه قومه فى غيبته عنهم . وجملة { قَومِكَ ياموسى } مقول لقول محذوف .

والمعنى : وقلنا لموسى : أى شىء جعلك تتعجل المجىء إلى هذا المكان قبل قومك وتخلفهم وراءك ، مع أنه ينبغى لرئيس القوم أن يتأخر عنهم فى حالة السفر ، ليكون نظره محيطا بهم ونافذا عليهم ؟

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ يَٰمُوسَىٰ} (83)

لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، وافوا{[19459]} { عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 138 ، 139 ] وواعده ربه ثلاثين ليلة ثم أتبعها{[19460]} له عشرًا ، فتمت [ له ]{[19461]} أربعين ليلة ، أي : يصومها ليلا ونهارًا . وقد تقدم في حديث " الفتون " بيان ذلك . فسارع موسى عليه السلام مبادرًا إلى الطور ، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي } أي : قادمون ينزلون قريبًا من الطور ، { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } أي : لتزداد عني رضا .


[19459]:في ف، أ: "وأتوا".
[19460]:في ف، أ: "أتمها".
[19461]:زيادة من ف، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ يَٰمُوسَىٰ} (83)

{ وما أعجلك عن قومك يا موسى } سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة فينفسها انضم إليها إغفال القوم وإيهام التعظم عليهم فلذلك أجاب موسى عن الأمرين وقدم جواب الإنكار لأنه أهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ يَٰمُوسَىٰ} (83)

عطفٌ على جملة { اسْرِ بعبادي } [ طه : 77 ] الواقعة تفسيراً لفعل { أوحينا إلى موسى } [ طه : 77 ] ، فقوله { ومَا أعْجَلَكَ عَن قومِكَ } هو مما أوحى الله به إلى موسى . والتقدير : وأنْ : ما أعجلك الخ . وهو إشارة إلى ما وقع لهم أيام مناجاة موسى في الطور في الشهر الثالث لخروجهم من مصر . وهذا الجزء من القصة لم يذكر في سورة الأعراف .

والإعجال : جعْل الشيء عاجلاً .

والاستفهام مستعمل في اللّوْم . والذي يؤخذ من كلام المفسرين وتشير إليه الآية : أنّ موسى تعجّل مفارقة قَومه ليحضر إلى المناجاة قبل الإبّان الذي عيّنه الله له ، اجتهاداً منه ورغبة في تلقي الشريعة حسبما وعده الله قبل أن يحيط بنو إسرائيل بجبل الطور ، ولم يراع في ذلك إلا السبق إلى ما فيه خير لنفسه ولقومه ، فلامه الله على أن غفل عن مراعاة ما يحفّ بذلك من ابتعاده عن قومه قبل أن يوصيهم الله بالمحافظة على العهد ويحذّرهم مكر من يتوسّم فيه مكراً ، فكان في ذلك بمنزلة أبي بكر حين دخل المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم راكعاً فركع ودَبّ إلى الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ »

وقريبٌ من تصرّف موسى عليه السلام أخذُ المجتهد بالدليل الذي له معارض دون علم بمعارضة ، وكان ذلك سبب افتتان قومه بصنع صنم يعبدونه .

وليس في كتاب التّوراة ما يشير إلى أكثر من صنع بني إسرائيل العجل من ذهب اتخذوه إلهاً في مدّة مغيب موسى ، وأن سبب ذلك استبطاؤهم رجوع موسى { قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } [ طه : 91 ] .