التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (52)

ثم تمدح السورة الكريمة بعد ذلك ، طائفة من أهل الكتاب ، استقامت قلوبهم ، وخلصت نفوسهم من العناد ، فاستقبلوا آيات الله - تعالى - ومن جاء بها استقبالا يدل على صدق إيمانهم - فقال - تعالى - : { الذين آتَيْنَاهُمُ . . . } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها : أنها نزلت فى سبعين من القسيسين بعثهم النجاشى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فلما قدموا عليه ، قرأ عليهم سورة يس ، فجعلوا يبكون وأسلموا .

وقيل : نزلت فى عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من اليهود .

وقيل : نزلت فى نصارى نجران .

وعلى أية حال فالآيات الكريمة تمدح قوما من أهل الكتاب أسلموا ، وتعرض بالمشركين الذين أعرضوا عن دعوة الإسلام ، مع أن فى اتباعها سعادتهم ورشدهم .

والضمير فى قوله { مِن قَبْلِهِ } يعود إلى القرآن الكريم ، أو إلى النبى صلى الله عليه وسلم والمراد بالموصول من آمن من أهل الكتاب ، والمراد بالكتاب التوارة والإنجيل .

أى : الذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى من قبل نزول القرآن عليك - أيها الرسول الكريم - هم به يؤمنون ، لأنهم يرون فيه الحق الذى لا باطل معه ، والهداية التى لا تشوبها ضلالة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (52)

يخبر تعالى عن العلماء الأولياء{[22345]} من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ البقرة : 121 ] ، وقال : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ } [ آل عمران : 199 ] ، وقال : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا } [ الإسراء : 107 ، 108 ] ، وقال : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [ المائدة : 82 ، 83 ] .

قال سعيد بن جبير : نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم : { يس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } حتى ختمها ، فجعلوا يبكون وأسلموا ، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ } .


[22345]:- في ت ، ف : "الألباء" وفي أ : "الألباب".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (52)

{ الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، وقيل في أربعين من أهل الإنجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشام ، والضمير في { من قبله } للقرآن كالمستكين في : { وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (52)

لمّا أفهم قوله { لعلهم يتذكرون } [ القصص : 51 ] أنهم لم يفعلوا ولم يكونوا عند رجاء الراجي عقب ذلك بهذه الجملة المستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها جواب لسؤال من يسأل هل تذكر غيرهم بالقرآن أو استوى الناس في عدم التذكر به . فأجيب بأن الذين أوتوا الكتاب من قبل نزول القرآن يؤمنون به إيماناً ثابتاً .

والمراد بالذين أوتوا الكتاب طائفة معهودة من أهل الكتاب شهد الله لهم بأنهم يؤمنون بالقرآن ويتدبرونه وهم بعض النصارى ممن كان بمكة مثل ورقة بن نوفل ، وصهيب ، وبعض يهود المدينة مثل عبد الله بن سلام ورفاعة بن رفاعة القرظي ممن بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر النبي إلى المدينة فلما هاجر أظهروا إسلامهم .

وقيل : أريد بهم وفد من نصارى الحبشة اثنا عشر رجلاً بعثهم النجاشي لاستعلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فجلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وكان أبو جهل وأصحابه قريباً منهم يسمعون إلى ما يقولون فلما قاموا من عند النبي صلى الله عليه وسلم تبعهم أبو جهل ومن معه فقال لهم : خيَّبكم الله من ركب وقبحكم من وفد لم تلبثوا أن صدقتموه ، فقالوا : سلام عليكم لم نأل أنفسنا رشداً لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . وبه ظهر أنهم لما رجعوا أسلم النجاشي وقد أسلم بعض نصارى الحبشة لما وفد إليهم أهل الهجرة إلى الحبشة وقرأوا عليهم القرآن وأفهموهم الدين .

وضمير { من قبله } عائد إلى القول من { ولقد وصلنا لهم القول } [ القصص : 51 ] ، وهو القرآن . وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في { هم به يؤمنون } لتقوي الخبر . وضمير الفصل مقيد للقصر الإضافي ، أي هم يوقنون بخلاف هؤلاء الذين وصلنا لهم القول .

ومجيء المسند مضارعاً للدلالة على استمرار إيمانهم وتجدده .