التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُمۡ فَأَنذِرۡ} (2)

قد افتتح الله - تعالى - سورة المدثر ، بالملاطفة والمؤانسة فى النداء والخطاب ، كما افتتح سورة المزمل . والمدثر اسم فاعل من تدثر فلان ، إذا لبس الدثار ، وهو ما كان من الثياب فوق الشعار الذى يلى البدن ، ومنه حديث : " الأنصار شعار والناس دثار " .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { ياأيها المدثر } ملاطفة فى الخطاب من الكريم إلى الحبيب ، إذ ناداه بحاله ، وعبر عنه بصفته ، ولم يقل يا محمد ويا فلان ، ليستشعر اللين والملاطفة من ربه ، كما تقدم فى سورة المزمل . ومثله قول النبى صلى الله عليه وسلم لِعَلىٍّ إذ نام فى المسجد " قم أبا تراب " .

وكان قد خرج مغاضبا لفاطمة - رضى الله عنها - ، فسقط رداؤه وأصابه التراب . ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان ليلة الخندق " قم يا نومان " .

والمراد بالقيام فى قوله - تعالى - : قم فأنذر ، المسارعة والمبادرة والتصميم على تنفيذ ما أمره - سبحانه - به ، والإِنذار هو الإِخبار الذى يصاحبه التخويف .

أى : قم - أيها الرسول الكريم - وانهض من مضجعك ، وبادر بعزيمة وتصميم ، على إنذار الناس وتخويفهم من سوء عاقبتهم ، إذا ما استمروا فى كفرهم ، وبلغ رسالة ربك إليهم دون أن تخشى أحدا منهم ، ومرهم بأن يخلصوا له - تعالى - العبادة والطاعة .

والتعبير بالفاء فى قوله : { فَأَنذِرْ } للإِشعار بوجوب الإِسراع بهذا الإِنذار بدون تردد .

وقال : فأنذر ، دون فبشر ، لأن الإِنذار هو المناسب فى ابتداء تبليغ الناس دعوة الحق حتى يرجعوا عما هم فيه من ضلال .

ومفعول أنذر محذوف . أى : قم فأنذر الناس ، ومرهم بإخلاص العبادة لله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُمۡ فَأَنذِرۡ} (2)

فقوله { قُمْ فَأَنْذِرْ } أي : شمر عن ساق العزم ، وأنذر الناس . وبهذا حصل الإرسال ، كما حصل بالأول النبوة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُمۡ فَأَنذِرۡ} (2)

قم من مضجعك أو قم قيام عزم وجد فأنذر مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله وأنذر عشيرتك الأقربين أو قوله وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُمۡ فَأَنذِرۡ} (2)

وقوله تعالى : { قم فأنذر } بعثة عامة إلى جميع الخلق . قال قتادة ، المعنى أنذر عذاب الله ووقائعه بالأمم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُمۡ فَأَنذِرۡ} (2)

والقيام المأمور به ليس مستعملاً في حقيقته لأن النبي لم يكن حين أوحي إليه بهذا نائماً ولا مضطجعاً ولا هو مأمور بأن ينهض على قدميه وإنما هو مستعمل في الأمر بالمبادرة والإِقبال والتهمُّم بالإِنذار مجازاً أو كناية .

وشاع هذا الاستعمال في فعل القيام حتى صار معنى الشروع في العمل من معاني مادة القيام مساوياً للحقيقة وجاء بهذا المعنى في كثير من كلامهم ، وعدّ ابن مالك في « التسهيل » فعل قام من أفعال الشروع ، فاستعمال فعل القيام في معنى الشروع قد يَكون كناية عن لازم القيام من العزم والتهمم كما في الآية ، قال في « الكشاف » : قُم قيام عزم وتصميم .

وقد يراد المعنى الصريح مع المعنى الكنائي نحو قول مُرَّة بن مَحْكَانَ التميمي من شعراء الحماسة :

يا ربَّةَ البيتِ قُومِي غيرَ صاغرة *** ضُمّي إليكِ رجال الحي والغُربا

فإذا اتصلت بفعل القيام الذي هو بهذا المعنى الاستعمال جملةٌ حصل من مجموعهما معنى الشروع في الفعل بجد وأنشدوا قول حسان بن المنذر :

على مَا قام يشتمني لئيم *** كخنزِير تمرَّغ في رماد

وقول الشاعر ، وهو من شواهد النحو وَلم يعرف قائله :

فقام يذود الناس عنها بسيفه *** وقال ألا لا من سبيلٍ إلى هند

وأفادت فاء { فأنذر } تعقيب إفادة التحفز والشروع بالأمر بإيقاع الإِنذار .

ففعل { قم } منزَّل منزلة اللازم ، وتفريع { فأنذر } عليه يبين المراد من الأمر بالقيام .

والمعنى : يا أيها المدثر من الرعب لرؤية مَلَك الوحي لا تخف وأقبل على الإِنذار .

والظاهر : أن هذه الآية أول ما نزل في الأمر بالدعوة لأن سورة العلق لم تتضمن أمراً بالدعوة ، وصدر سورة المزمل تضمن أنه مسبوق بالدعوة لقوله فيه { إِنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم } [ المزمل : 15 ] ، وقوله : { وذَرني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] . وإنما كان تكذيبهم بعد أن أبلغهم أنه رسول من الله إليهم وابتدىء بالأمر بالإنذار لأن الإنذار يجمع معاني التحذير من فعل شيء لا يليق وعواقبه فالإِنذار حقيق بالتقديم قبل الأمر بمحامد الفعال لأن التخلية مقدمة على التحلية ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن غالب أحوال الناس يومئذٍ محتاجة إلى الإِنذار والتحذير .

ومفعول { أنذر } محذوف لإِفادة العُموم ، أي أنذر الناس كلهم وهم يومئذٍ جميع الناس ما عدا خديجة رضي الله عنها فإنها آمنت فهي جديرة بالبشارة .